التَّناقضات الثَّمانية الخطيرة في كلمة رئيس الجمهوريَّة أمام مجلس الأمم المتَّحدة لحقوق الإنسان 28 فيفري 2022

للأسف الشَّديد، غياب مادي لرئيس الجمهوريَّة في القسم رفيع المستوى للدَّورة 49 لمجلس الأمم المُتَّحدة لحقوق الإنسان، ولا مبالاة وغياب ذهني في الكلمة المسجَّلة بالفيديو عن بعد.. وخطاب إنشائي مدرسي "تفسيري" تبريري شتائمي غير مقنع، بل وتجاهل ولامبالاة لالتزامات تونس الدُّوليَّة ولواجباتها في مجال حقوق الإنسان..

وللأسف، استحضار تاريخي إنشائي لنصوص شاذَّة منَّ بها الباي (حقوق الرَّاعي والرَّعيَّة في جانفي 1860) ولا تمثِّل الضَّمير الجمعي للتُّونسيِّين (لأنَّها منَّة من الحاكم للرَّعيَّة ولا علاقة لها بفلسفة الحُرِّيَّة ولا بفلسفة الحقوق الَّتي أرساها عهد الأمان.. وبالمقابل تعمُّد إغفال ما هو أهمُّ منها ممَّا اصطفاه الضَّمير الجمعي واستقرَّ في الذَّاكرة الجمعيَّة للتُّونسيِّين، كقانون منع الرِّق في جانفي 1846 وعهد الأمان وشرح عهد الأمن وما قام عليه من أركان في سبتمبر 1857 وهو إعلاننا التُّونسي لحقوق الإنسان والمواطن، والدُّستور، الدُّستور، الدُّستور، دستور 1861 ودستور 1959 ودستور 2014..

وللأسف، غياب تام عن المستقبل، وإغراق تام في حملة "تفسيريَّة" تكذيبيَّة شتائميَّة، وبلغة غير لائقة برئيس الجمهوريَّة رئيس كل التُّونسيِّين، لكل من ينتقد إجراءات تعليق الدُّستور وحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء بقوَّة الأمر الواقع وتجميع السُّلطات التَّنفيذيَّة والتَّشريعيَّة والقضائيَّة والتَّأسيسيَّة في ظلِّ استدامة سلطان حالتيْ الطَّوارئ والاستثناء، أي استدامة الدِّكتاترويَّة المُؤقَّتة.. ولا لمة عن العودة للدِّيمقراطيَّة ولا حتَّى عن خارطة طريق دستوريَّة لبناء المؤسَّسات الشَّرعيَّة الدِّيمقراطيَّة الدَّائمة للدَّولة واحترام مبادئ الفصل بين السُّلطات والضَّمانات القانونيَّة للحُرِّيَّات الدُّستوريَّة..

وللأسف، غياب تام حتَّى عن الواقع، فلا كلمة عن الحرب الدَّائرة ولا عن القرار التُّونسي الفرنسي لمساندة دعوة الأمين العام للأمم المُتَّحدة بإعلان ّهُدنة إنسانيَّة" طيلة الجائحة.. ولا كلمة عن الحق التُّونسي الَّذي تضمَّنته عشرات القرارات وتقارير ومقترحات مجلس حقوق الإنسان، بمبادرات تونسيَّة سنويَّة متواترة منذ 11 سنة، عن الآثار السَّلبيَّة لعدم استعادة الأموال المنهوبة إلى بلدانها الأصليَّة عن التَّمتُّع بحقوق الإنسان..

وللأسف، تغييب للالتزامت تونس الأخلاقيَّة، فلا كلمة عن فلسطين وعن معاناة الشَّعب الفلسطيني والدِّفاع عن حقوقه المشروعة الفرديَّة والجماعيَّة والقوميَّة، في خرق سافر لثوابت الدِّيلوماسيَّة التُّونسيَّة..

وللأسف، سلوك منعزل، ولا كلمة لمساندة مقترحات ومبادرات قارَّتنا السَّمراء وجنوبنا الكبير، وعلى رأسها مبادرتنا الَّتي تقدَّمت بها جنوب إفريقيا والهند لتصنيع اللِّقاحات بدون حواجز ملكيَّة فكريَّة لمجابهة هيمنة الشَّمال الكبير..

وللأسف، خطاب إنشائي تبيري لن يغيِّر من الانطباع العام في الدَّاخل وفي الخارج بدخول تونس منعرجا خطيرا في تاريخها لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان بالإنشاء والسَّباب والشَّتائم..

التَّناقضات الثَّمانية الخطيرة في كلمة رئيس الجمهوريَّة أمام مجلس الأمم المتَّحدة لحقوق الإنسان 28 فيفري 2022

اختار رئيس الجمهوريَّة مقاطعة المشاركة الحضوريَّة في القسم رفيع المستوى للدَّورة 49 لمجلس الأمم المُتَّحدة لحقوق الإنسان، واستعاض عنها بكلمة مسُجَّلة عن بُعد اليوم 28 فيفري 2022.. واكتست الكلمة أهمِّيَّة معتبرة للمراقبين في الدَّاخل وفي الخارج، بحُكم أنَّها أوَّل مرَّة يشارك فيها رئيس الجمهوريَّة بعد انتخابه سنة 2019 بعد مشاركة فارقة للرَّئيس الأسبق سي الباجي قائد السِّبسي منذ ثلاث سنوات، وبُحكم الأوضاع الَّتي تعيشها بلادنا تحت سلطان أحكام حالة الطَّورائ وحالة الاستثناء، لاستجلاء رؤية ومواقف رئيس الجمهوريَّة وتونس تحت حالة الاستثناء من قضايا حقوق الإنسان، وطنيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، مع تصاعد القلق الوطني والدُّولي من تواتر انتهاكات حقوق الإنسان في بلادنا وإلغاء الدُّستور بقوَّة الأمر الواقع وتجميع كل السُّلطات واقعيًّا بيد رئيس الجمهوريَّة، التَّنفيذيَّة والتشريعية والقضائيَّة والتأسيسية، بدون رقيب ولا حتَّى حق الدَّفع باللَّادستوريَّة واللَّاقنونيَّة والبطلان أمام القضاء..

وباستثناء إيجابيًّات البسملة والحمدله والتَّحايا والفقرة الافتتتاحيَّة والاختصار النِّسبي لثمان دقائق ونصف فقط وصيغة السَّلام الختاميَّة وبعض المقاطع، وبقطع النَّظر عن سلبيَّة إغراق ثلثي الكلمة في "حملة تفسيريَّة للتَّدابير الاستثنائيَّة" وإغفال فلسطين لأوَّل مرَّة في كلمة تونس في هذا المحفل، فقد جاءت الكلمة عموما بلُغة إنشائيَّة دفاعيَّة شتائميَّة عنيفة وتضمَّنت تناقضات ورسائل خطيرة:

1ـ التَّناقض الأوَّل: تناقض تمجيد العمل والحل الجماعي دوليًّا ورفضه داخليًّا:

لا يمكن لرئيس الجمهوريَّة أن يُحيِّي الحل الجماعي دوليًّا ("ولمْ يَكن الحلُّ ممكنا لتجاوز هذه الجائحة إلاّ بتظافر جهود الجميع، لأنّ الحلَّ لا يمكن أن يكون إلاّ على المستوى العالمي")، بل ويضيف ("لأنّ التحديات كثيرة، ولا يمكن أن نُواجهها، ولا يمكن أن نحقّق هذه الأجيال المتعاقبة لحقوق الإنسان إلاّ إذا كُنّا مجتمعين على المبادئ، ومُجمِعين على القيام التي يَتقاسمُها العالم جميعا")، وينجرح بعد ذلك في مقاربات فردانيَّة في الدَّاخل، وبخطاب شتائمي عنيف ("وما يُشاع عند البعض من أنّ هذه التدابير الاستثنائية هي وسيلة لنُكران بعض الحقوق. ما يشاع خطأٌ، وتظليلٌ، ومحاولةُ القيام بحملات تشويهيّة لا علاقة لها بالواقع إطلاقا") لا يليق برئيس الجمهوريَّة رئيس الدَّولة رئيس كل التُّونسيِّين وهو يخاطب العالم بأسره باسمنا جميعا..

2ـ التَّناقض الثَّاني: تناقض الشُّكر والذَّم:

لا يمكن لرئيس الجمهوريَّة أن يشكر الأمين العام للأمم المُتَّحدة والمَفوَّضة السَّامية لحقوق الإنسان ورئيس مجلس حقوق الإنسان في استفتاح كلمته، ثُمَّة يكيل لهم الشَّتائم عندما يصف تقاريرهم وتقييماتهم الموضوعيَّة بأنَّها "ما يشاع" وبأنَّها "تضليل"، رغم استقائها من طرف الأمم المُتَّحدة نفسها والمفوَّضية السَّامية لحقوق الإنسان عبر أعمال الرَّصد والتَّوثيق والتَّدقيق الَّتي قامت بها مكاتبها في تونس ولجانها وهيئاتها المختصَّة..

3ـ التَّناقض الثَّالث: تناقض التَّمسُّك بالنُّصوص الدُّوليَّة والاستهزاء بالنُّصوص الدَّاخليَّة لصيانة وتعزيز واحترام حقوق الإنسان:

لا يمكن لرئيس الجمهوريَّة أن يوكِّد التزامه بنصوص الاتِّفاقيَّات (الصُّكوك) الدُّوليَّة لحقوق الإنسان الَّتي صدقت عليها بلادنا ، ويُضيف بتزيُّد خاطئ "وبدون تحفُّظ"، وفي نفس الوقت أن يزدري ويستهزأ بالنُّصوص القانونيَّة الوطنيَّة لحمايتها وتعزيزها وصونها، بل واعتبار أنَّنا "لسنا في حاجة للنُّصوص"..

علما وأنَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصَّ في ديباجته، في الفقرة الثُّانية: "ولمَّا كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجيَّة آذت الضَّمير الإنساني"، وفي فقرتها الثَّالثة "ولمَّا كان من الضَّروري أن يتولَّى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطرَّ المرء آخر الأمر إلى التَّمرُّد على الاستبداد والظُّلم".. أي أنَّه لا معنى لحقوق الإنسان في غياب حمايتها بالقانون، وأنَّ ازدراء القوانين الَّتي تكفل وتحمي حقوق الإنسان هو من ازدراء تلك الحقوق، والَّذي جاءت المنظومة الكونيَّة والإقليمية والوطنيَّة لحقوق الإنسان لمقاومته لأنَّه مدخل لكل المآسي..

بل ونصَّ العهد الدُّولي للحقوق المدنيَّة والسِّياسيَّة وباقي الاتِّفاقيَّات الدُّوليَّة لحقوق الإنسان على ضرورة "توطين" الالتزامات القانونيَّة في قوانينها وأنظمتها وإجراءاتها القانونيَّة الوطنيَّة.. فقد ورد بالفقرة الثَّانية من الفصل الثَّاني من العهد على سبيل المثال: "تتعهَّد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التَّشريعيَّة أو غير التَّشريعيَّة القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتَّخذ، طبقا لإجراءاتها الدُّستوريَّة ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريًّا لهذا الإعمال من تدابير تشريعيَّة أو غير تشريعية"..

وهو ما أكَّدت عليه اللَّجنة الأمميَّة المعنيَّة بحقوق الإنسان في تعليقها العام وأوصت به كما أوصت به كل اللِّجان التَّعاقديَّة لحقوق الإنسان عند استعراض التَّقارير الدَّوريَّة للدَّولة التُّونسيَّة.. فاحترام النُّصوص الدَّاخليَّة وتطويرها حسب المعايير الدُّوليَّة هو شرط من شروط احترام النُّصوص الدُّوليَّة..

4ـ التَّناقض الرَّابع: تناقض الانفصام بين الشَّكل والمضمون:

إذا كنَّا نتَّفق مع تأكيد رئيس الجمهوريَّة السَّليم ب"أنّ المقصد من وضع الدُّستور، ومن وضع سائر التَّشريعات، هو تحقيق حقوق الانسان، في الفِعلِ، في الواقع، وليس في مجرّد النُّصوص"، فإنَّنا لا يمكن أن نجاري ولا أن نقبل أن يزدري رئيس الجمهوريَّة بالنُّصوص ويلغيها بدل الارتقاء بالواقع ليحترمها.. فالمشكل في الممارسة وليس في النُّصوص.. فوجب تطوير الممارسة لتتوافق مع النَّص وليتوافق النَّص الوطني مع المعيار الدُّولي وليس في نسف النُّصوص نسفا.. وعكس ما يصرِّح به رئيس الجمهوريَّة، فإن التَّجربة أثبتت في كل أرجاء المعمورة أنَّه "إذا غابت النُّصوص، حضر اللُّصوص" وحضر قانون الغاب والاعتباطيَّة وعمَّ الظُّلم والفوضى وكل أصناف البلاء..

5ـ التَّناقض الرَّابع: ازدراء النُّصوص القانونيَّة الوطنيَّة المعاصرة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان وتمجيد نص قديم شاذ للباي وتهميش النُّصوص المرجعيَّة الجامعة :

جميل أن يقوم رئيس الجمهوريَّة بتمجيد "تجربة دستورية طويلة وعميقة إستبطنها التونسيون" من جهة، ولكن لا يعقل أن يقوم من جهة أخرى بازدراء ونسف المنظومة الدُّستوريَّة والقانونيَّة في بلادنا، والعودة لنص يتيم مغمور شاذ للباي في جانفي 1860 حول "حقوق الرَّاعي والرَّعيَّة"، لم يعتدَّ به أي أحد من الفقهاء والفلاسفة والمؤرِّخين كنص من نصوص "حقوق الإنسان" بَلْهَ أن يكون "إعلان حقوق إنسان" في الوصف الشَّاذ الغريب الَّذي وشَّحه به رئيس الجمهوريَّة في كلمته المسجَّلة عن بعد..

فقد أجمع الضَّمير الجمعي للتُّونسيِّين على اعتبار قانون منع الرِّق في جانفي 1846 وعهد الأمان في سبتمبر 1857 نصوصا مؤسِّسة لفلسفة ولفقه الحقوق في تونس وفي العالمين والعربي والإسلامي، بل وفي العالم، عبر تأسيس "لاهوت الحقوق، ولم يأت ذكر حكاية الضَّب ونص "حقوق الرَّاعي والرَّعيَّة" الَّذي منَّ به الباي على "رعيَّته" في جانفي 1860..

بل اعتبر كبار أُمتِّنا ومصابيح فقهائنا وسادة قادتنا وعلى رأسهم المجاهد الكبير سي عبد العزيز الثَّعالبي أنَّ "عهد الأمان هو إعلاننا التُّونسي لحقوق الإنسان والمواطن"، بل ونقل مؤرِّخ دولتنا الكبير أحمد ابن أبي الضِّياف عهد الأمان" و "شرح عهد الأمان وما قام عليه من أركان" كأحد أسس الفكر الإصلاحي التُّونسي وأبرز نصوصه المرجعيَّة..

واعتبرناه، نحن عبد الوهَّاب الهاني، منعرج تطوير الفقه المقاصدي باتِّجاه الفكر الحقوقي، وتأسيس الأنسنة الإسلاميَّة الزَّيتونيَّة التُّونسيَّة، ولحظة بناء فكر حقوق الإنسان في الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة الحديثة، قبل قرن من الزَّمان من بناء المنظومة الكونيَّة المعاصرة.. وطالبنا، بل وعملنا ولا نزال على إدراجه كنص من النُّصوص المرجعيَّة لحقوق الإنسان عالميًّا..

6ـ التَّناقض الخامس: تقديم التَّدابير الاستثنائيَّة على أنَّها إنقاذ للحقوق وللحرِّيَّات عكس روحها وجوهرها :

لا يعقل أن يعقل رئيس الجمهوريَّة وهو أستاذ القانون الدُّستوري في خطأ تقديم التَّدابير الاستثنائيَّة و"حالة الاستثناء" على أنَّها اتُّخذت "للحفاظ على الحقوق وعلى الحُرِّيات" والحرص "بأن تكون هذه الحقوق موجودة في أرض الواقع، وليس مجرّد نصوص يمكن أن نتباهى بها في الداخل وفي المحافل الدّوليّة".. وهو عين التَناقض..

فقذ استقرَّ الفقه والقضاء على اعتبار "حال الاستثناء" ضرورة لمجابهة الخطر الدَّاهم على ميان الدَّولة وكينونة الأُمَّة، بل وسمح القانون الدُّولي بتعليق جزء من الحقوق والحرِّيَّات بصورة مؤقَّتة محدَّدة ومنظَّمة قانونيًّا بغرض إنقاذ الدَّولة..

بل ونصَّ العهد الدُّولي للحقوق المدنيَّة والسِّياسيَّة الَّذي كانت بلادنا من أوَّل دول العالم الَّتي صادقت عليه في فصله الرَّابع على تنظيم "حالة الاستثناء" وتعليق العمل ببعض الحقوق..

بل وأوصت اللَّجنة الأمميَّة المعنيَّة بحقوق الإنسان بعدم الاستسهال في إعلان وتمديد حالة الطَّوارئ وبضرورة تنقيح الإطار القانوني الَّي ينظِّمها وبتقييد يد السُّلطة التَّنفيذيَّة في استسهال قرارات الإقامة الجبريَّة، وبإخطار الأمين العام للأمم المُتَّحدة بكل تقييد، وباحترام الفصل 49 من الدُّستور في كل الحالات.. وهو لما لم تقم به سلطات التَّدابير الاستثنائيَّة، بل أوغلت في الضَّرب عرض الحائط بالالتزامات الدُّوليَّة لتونس وبتوصيات اللِّجان التَّعاقديَّة الأمميَّة في المجال..

7ـ التَّناقض السَّابع: تناقض القول والفعل :

لا يعقل أن يدخل رئيس الجمهوريَّة نفق "ثقافة النُّكران" لانتهاكات حقوق الإنسان، وأن يؤكِّد أنَّ الحقوق مكفولة وأنَّ الدُّستور قائم، في حين أنَّ الحقوق مهدورة والدُّستور في مقام الملغى بقوَّة الأمر الواقع، إلَّا في ما ومتى وكيفما قرَّر رئيس الجمهوريَّة استحضار ما تيسَّر من بعض طقوسه القَسَمِيَّة أساسا، ممَّا لا يتعارض منه مع مرسومه 117..

8ـ التَّناقض الثَّامن: تناقض رئيس الدَّولة مع أستاذ القانون الدُّستوري :

للأسف الشَّديد، فإنَّ الَّذي كتب أو نصح بهدا الخطاب المسجَّل بالفيديو عن بُعد أوقع رئيس الجمهوريَّة في أخطاء قانونيَّة وفي تناقضات جسيمة، تنتقص من دوره كرئيس للجمهوريَّة ضامن لعلويَّة الدُّستور والقانون، وتنتقص من قيمته العلميَّة كأستاذ للقانون لا يمكن أن يقع في تناقضات وأخطاء جسيمة تسيئ له وتسيء للجامعة التُّونسيَّة وتسيء للدَّولة التُّونسيَّة..

ولقد جعل رئيس الجمهوريَّة دور الدِّيبلوماسيِّين في العاصمة ولدى الامم المُتَّحدة في جينيف ونيويورك وفينا وباريس ولدى الدُّول الشَّقيقة والصَّديقة في وضعيَّة صعبة بعد هاته الكلمة..

وللأسف، فقد خسر رئيس الجمهوريَّة اليوم سمعة أستاذ القانون المتمكِّن من القانون الدُّولي لحقوق الإنسان، وخسر صورة رجل الدَّولة المتشبِّع بروح قوانينها والمعتز بما وقَرَ في وُجدان الأُمَّة واستقرَّ في ضميرها الجمعي وخسر صورة رئيس كل أبناء وبنات شعبه وخسر صورة رجل الإصلاح والحقوق ورجل التَّناغم بين الشَّكل والمضمون وشجاعة الاعتراف بصعوبات وتحدِّيات الواقع، ليبرز في جُبَّة "الباي" مطلق الصَّلاحيَّات الَّذي يُريد أن يعيد الزَّمن 162 عاما وشهران إلى الوراء لِيَمُنَّ على "الرَّعيَّة" بعضا من حقوقها بعد تأمين ما ارتضاه واصطفاه لنفسه ومقامه "العليّْ" من "حقوق الرَّاعي"..

فهل استشار رئيس الجمهوريَّة قبل إعداد وإلقاء كلمته أم أنَّه ارتجلها إنشاء "صحري بحري" بلا رؤية ولا رسالة؟؟؟ ومن هي الجهة "الاستشاريَّة" و"الوزاريَّة" و"الأكاديميَّة" الَّتي كتبت ووجَّهت وأجازت كلمة رئيس الجمهوريَّة المسجلَّة عن بُعد وزاغت به وبها لإبرازه وإبراز تونس في جبَّة التَّناقضات وفوضى المفاهيم وثقافة النُّكران..

حفظ الله من كل مروه،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات