الرهان الخارجي على ا لمعارضة الإيرانية

عندما ناشد نتنياهو المجتمع الإيراني بالنهوض ضد النظام السياسي ، فانه يعبر عن "طموح " تشاركه فيه قوى آسيوية ابرزها أذربيجان وقوى إقليمية بخاصة العربية وقوى دولية على رأسها الولايات المتحدة واغلب الدول الأوروبية ، ولكل أسبابه ..فهل هذا الطموح له ما يسنده ؟

إن استعراض الفترة من 1979- 2025 ( أي خلال 46 سنة) تشير الى أن معدل الاستقرار السياسي الإيراني كان دائما ضمن المؤشرات السلبية ، وان معدل الاستقرار السياسي فيها كان بالسالب بمعدل 1.12( الحد الأقصى لعدم الاستقرار هو بالسالب 2.5 طبقا لمقياس كوفمان المعروف)، غير أن الاتجاه العام يشير الى أن افضل مراحل النظام من جانب الاستقرار كانت في الفترة بين 1996- 2004، ثم أصيب المعدل بنكسة مع عام 2009 ليعود للتحسن خلال الفترة الممتدة حتى 2014، لكنه عاد للتراجع السلبي اكثر حتى عام 2024، وكان اعلى معدلات عدم الاستقرار عام 2019 ببلوغ معدل 1.71 بالسالب.

ومن الضروري هنا فهم أن عدم الاستقرار السياسي الإيراني له معطيات داخلية قطعا ، لكنه أيضا مرتبط بوقوع ايران في إقليم هو " الأعلى " في مؤشر عدم الاستقرار مقارنة بالأقاليم العالمية التسعة، وتكفي الإشارة الى أن عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل عام 2023 هو بالسالب 1.46، وارتفع عام 2024 الى 1.73 بالسالب.

فاذا قارنا ايران وإسرائيل من جانب مؤشر غينيGini index الذي يقيس معدل عدالة توزيع الثروة ، فان ايران في وضع افضل من إسرائيل وبفارق نقطتين لصالح ايران( 35.9 لإيران مقابل 37.9 لإسرائيل)( كلما كان المعدل اقل تكون الدولة في مركز افضل طبقا للمقياس).

ذلك يعني أن الوضع الداخلي الإيراني " يغوي " القوى الخارجية للمراهنة على تحريك الشارع الإيراني، لكن مراجعة الفترات التي شهدت أوسع نطاق للاحتجاجات تشير الى تباين واضح لمتغيرات تحريك الشارع ، ففي عام 2009 كان المحرك هو التشكيك في نزاهة الانتخابات، بينما في 2017 كان الوضع الاقتصادي هو المحرك ، وفي 2022 شكلت حقوق المرأة جوهر الحراك الشعبي.

لكني أعتقد أن ثمة جوانب أخرى لها أهميتها الكبرى في فهم حركية الشارع الإيراني وهي:

أ‌- إن الجرعة الدينية في بنية النظام وأيديولوجيته هي " أعلى " من تلك الجرعة في الشارع الإيراني ، فرغم أن 95% من الإيرانيين وصف نفسه بأنه "متدين"، فان نسبة المشاركة في صلاة الجمعة في ايران هي الأقل مقارنة مع اغلب دول الشرق الأوسط استنادا لدراسات منشورة في جامعة طهران(ايران 26%، مقابل 35% في تركيا أو 41% في مصر...الخ ).

ب‌- إن أهمية المتغير المذهبي –وهو الذي لا يدركه الكثيرون – تتأتى من أن المذهب هو الأرث الثقافي الجامع وليس الإرث القومي ، فالتشيع هو المذهب ل 90% من السكان ،بينما الفارسية –كقومية- تمثل حوالي 53% والباقي يتوزع على الأذريين( 24%) والأكراد(6%) والعرب (3%) واللور(2%) والبلوش (2%)...الخ.

ت‌- تمزق المعارضة الإيرانية : إذا استبعدنا التيار الإصلاحي من جسد المعارضة الإيرانية ، فان القوى الأخرى ذات أوزان محدودة( تيار ابن الشاه) ، او متصارعة فيما بينها( تيار مجاهدي خلق ضد تيار الملكيين من اتباع ابن الشاه) ،أو لها نزعات انفصالية (الأكراد والبلوش)، وهو ما يجعل قدرتها على التنسيق قدرة محدودة ، بل أن المجلس الوطني للمعارضة الإيرانية الذي تقوده مريم رجوي جعل توجهه حول شعار محدد هو " لا شاهنشاهية ولا مرشدية ".(أي لا شاه ولا مرشد).

ث‌- وثمة مسالة أخرى لا يجوز تجاوزها، فالخلاف الداخلي بين شرائح المعارضة وبين السلطة السياسية يختلف في قوة جذبه واستقطابه عن حالة مواجهة الدولة "لعدوان خارجي "، ويبدو أن المعارضة الإيرانية –وهو ما يتضح في مواقف ممثلي التيار الإصلاحي (من داخل النظام) جعلت أولوية الدولة والوطن تعلو على أولوية الخلاف في المنهج السياسي ، فشريحة واسعة بخاصة خارج القوى الانفصالية ترى أن أمن ايران في الوضع الحالي اهم من التوافق على سياسات الدولة ، من هنا تبدو النخب الوازنة في المعارضة الإيرانية أقل غرائزية من نظيرتها العربية ، وهو ما يصب الى حد ما في صالح النظام الإيراني الحالي.

ج‌- بعيدا عن أية تأويلات غير ثقافية، فان صورة اليهودي (بشكل عام) وصورة الإسرائيلي( بخاصة بعد مذابح غزة) في العقل الإيراني (والدولي حاليا) تجعل الاصطفاف الى جانب هذا اليهودي أو الإسرائيلي أمرا قد يفقد التيار الذي يسير فيه الكثير من مصداقيته ، فالصراع هنا مع "اليهودي" بكل محمولات هذا البعد في الإرث التاريخي الإسلامي ومنه الشيعي( فاحد الفتاوى الشيعية ترى انك إذا سرت وراء يهودي ،وهطل المطر، عليك تجديد الوضوء لان الماء الذي أصاب اليهودي من المطر قد يكون تتطاير نحوك وابطل طهارتك)، فكيف سيصطف " الشيعي " الى جانب اليهودي في الحرب في ظل صورة كهذه ؟.

فإذا أضفنا الى كل ما سبق ،أن القوى الخشنة في النظام الإيراني ،ما تزال الى جانب النظام، فلم نشاهد انشقاقات في القطاع العسكري ، كما أن التوازن بين الجيش من ناحية والحرس الثوري من ناحية أخرى ما زال فاعلا.

ذلك يعني ،أن الرهان الإسرائيلي الأمريكي الأوروبي وبعض العربي على تحولات في الداخل الإيراني هي مراهنات غير واعدة حتى هذه اللحظة وفي ظل اشتداد المواجهة ، لكن ذلك لا يمنع من إمكانية حدوث تطورات قد تترك بعض بصماتها على هذا المشهد لاحقا ،لكن تحقيق طموحات نتنياهو ستبقى- في ظل المعطيات القائمة - فيها قدر من الارتجال. ربما.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات