مستقبل غزة بين راهن ضاغط ومستقبل مفتوح

كيف يمكن استشراف مستقبل قطاع غزة في ظل صراع دموي متواصل ، وكيف نتعامل مع المعطيات كلها؟

أولا: يمكن تحديد أطراف الصراع في قطاع غزة بتسعة أطراف :

أ‌- محلية فيها طرفان هما المقاومة الفلسطينية واسرائيل.

ب‌- اقليمية : وفيها ثلاثة أطراف:

1- محور المقاومة: ويشمل ايران وحركات شعبية(الحشد الشعبي وحزب الله وانصار الله الى جانب المقاومة الفلسطينية )

2- محور التطبيع : ويشمل دول اتفاق ابراهام ودول المعاهدات والاعتراف الدبلوماسي بما فيها تركيا.

3- محور الضواحي الاقليمية: بقية الدول العربية في المغرب العربي القرن الافريقي.

ت‌- دولية وفيها اربعة اطراف:

1- الطرف الاكثر انحيازا لإسرائيل: وهو الولايات المتحدة.

2- الطرف المتوسط الانحياز الى عال نسبيا وهو اوروبا الغربية.

3- الطرف غير المنحاز " عمليا " لاي من طرفي المواجهة وهما روسيا والصين.

4- الرأي العام الدولي الشعبي.

فلو وضعنا هذه الاطراف على سلم نقاط لتحديد نسبة المساندة لطرفي الصراع سنجد أنها:

1- اقليميا: محور المقاومة 6 نقاط لصالح المقاومة مقابل صفر لإسرائيل.

محور التطبيع: 2 للمقاومة مقابل 7 لإسرائيل.

محور الضواحي الاقليمية: 2 للمقاومة مقابل 3 لإسرائيل.

فيكون الميزان الاقليمي هو 10 مقابل 10 .

2- دولية: الاكثر انحيازا : 1 للمقاومة مقابل 8 لإسرائيل.

متوسط الى عالي الانحياز للمقاومة مقابل 6 لإسرائيل.

غير المنحاز : 2 للمقاومة 1 لإسرائيل.

الرأي العام الدولي: 6 للمقاومة مقابل 4 لإسرائيل.

فإذا حسبنا وزن كل طرف في معادلة القوى على اساس قاعدة رياضية :

- مستوى التأييد القوي 3 نقاط.

- المتوسط 2 .

- الاضعف 1.

ثم ضربنا كل مؤشر في وزن المؤشر فان النتيجة هي :

12+4+4+3+4+6=33 نقطة للمقاومة

14+3+24+2+4=47 نقطة لإسرائيل

ثانيا: ميدان المعركة: تتمثل نقاط القوة والضعف بين طرفي الصراع في :

أ‌- عوامل القوة الاسرائيلية: وتتمثل في عدد القوات، مستوى التطور التكنولوجي في الاداة العسكرية ، وجود نسبة من السكان لا يشعر بالتهديد الامني قياسا لسكان غزة (51% من الاسرائيليين قدروا بانهم يشعرون بالتهديد الامني بعد 7 اكتوبر حسب استطلاع راي معهد الامن القومي الاسرائيلي)، القدرة الاقتصادية على التحمل لاعباء الحرب.

ب‌- بالمقابل فان نقاط القوة في المقاومة هي : درجة تحمل الخسائر البشرية أعلى من الطرف الآخر، التحصن نسبيا مقابل المتحرك الاسرائيلي وألفة المكان للمقاوم مقابل غربة المكان عن الاسرائيلي، المساندة المعنوية من الراي العام الدولي، ثم درجة الدافعية العالية للقتال عند المقاوم .

ت‌- اما نقاط الضعف لإسرائيل فهي أن درجة الاتساق بين القيادات في إدارة المعركة هي أقل من المعتاد مقارنة بالمعارك الاسرائيلية السابقة، الحساسية الشديدة من الخسائر البشرية بين قواته، الخوف على حياة بقية الرهائن واغلبهم عسكريون ، وجود تصدع نسبي في المجتمع الاسرائيلي بسبب ترسبات التعديلات القضائية والفشل الامني في التنبه لوقوع طوفان الاقصى، ثم تصاعد "عدم الاستقرار في الضفة الغربية وتزايد العمليات ضد الامن والمستوطنين الاسرائيليين والعسكريين.

ث‌- اما نقاط الضعف الفلسطينية فهي: الارهاق البدني والنفسي للمقاتل نظرا لضعف القدرة على تبديل العناصر المقاتلة للاستراحة فقد مضى على المعركة قرابة الشهرين بينما بدلت اسرائيل قواتها 3 مرات بين الشمال والجنوب ، نقص تعويض الذخائر وبخاصة الصواريخ والقذائف ، ثم الحصار الاسرائيلي والمصري الخانق على السلع الضرورية من وقود وادوية واغذية ومياه، ثم ضيق جغرافيا المعركة مما يجعل القدرة الاسرائيلية على المراقبة والمتابعة اسهل كثيرا .

وبالطبع لا بد من اعتبار كل نقطة ضعف لطرف هي نقطة قوة للطرف الاخر والعكس صحيح، ولو عدنا لسلم النقاط وتباين اوزان المؤشرات فان النتيجة " الأولية " للطرفين هي:

1- مجموع نقاط القوة للمقاومة هي: 2+2+1+1+2+3+1=12

2- مجموع نقاط القوة الاسرائيلية: 3+2+2+2+2+3+2=16

نعود للمجموع الاول وهو 33+ 12=45 للمقاومة

مقابل المجموع الأول وهو 47+16= 63 لإسرائيل

يترتب على ما سبق ما يلي:

1- استغرقت جولة المواجهة بين الطرفين في الجولة الاولى من 27 اكتوبر الى 23 نوفمبر اي حوالي 27 يوما ثم بدأت الهدنة المؤقتة بتبادل الرهائن دون خروج اسرائيل من الاراضي التي دخلتها لضمان استمرار الضغط على المقاومة ،كما ان مستوى المساعدات التي دخلت الى غزة كانت دون المستوى المطلوب بشكل كبير. اي ان اسرائيل استعادت نسبة هامة من رهائنها دون انسحاب ودون استجابة مصرية لفتح معبر رفح بالقدر الكافي الذي انتظرته المقاومة ، وهو ما يع-ني ان النتيجة كانت هي رهائن مقابل رهائن مع استمرار الوجود العسكري الاسرائيلي في غزة واستمرار ضغوط الحصار المصري الاسرائيلي بقدر عالي ، وهو ما يعني 3 نقاط لإسرائيل و نقطتين للمقاومة.

2- استأنفت اسرائيل حملتها البرية منذ اول ديسمبر ، وبدأ عدد خسائرها( المعلنة على الاقل) يتزايد ، لكن توغلها يتقدم في مناطق مختلفة من قطاع غزة والخسائر البشرية في صفوف المدنيين الفلسطينيين يتصاعد بوتيرة عالية ، مع استمرار التضييق المصري على حركة العبور للمرضى او السلع على حاله، بل احيانا يزداد سوءا، ولا تحقق الوساطة القطرية تقدما ذا دلالة في المفاوضات للعودة للهدنة على اقل تقدير او لوقف اطلاق نار. وهو ما يعني 2 نقطة لإسرائيل مقابل نقطة للمقاومة.

3- ماذا سيترتب على ذلك؟

أ‌- ان نقاط القوة لإسرائيل هي 68 نقطة مقابل 48 نقطة للمقاومة، اي ان خلل موازين القوى العام (المادي والمعنوي وإدارة الميدان) هو نفسه ، وعليه فان مستقبل الوضع يسير باتجاه قاتم ما لم يحدث تغير في احد النواحي التالية:

1- التوصل لوقف اطلاق نار دائم ، وهو امر لا يبدو انه ممكن ، بل إذا حدث فان اسرائيل ستصر على استمرار تواجدها في مناطق محددة من القطاع ، مع استمرار التضييق على دخول المساعدات الى حين حل مشكلة بقية رهائنها وضمان بلوغ المقاومة درجة من عدم القدرة على استئناف المعارك في المدى الزمني المتوسط على اقل تقدير.

2- ستسعى اسرائيل الى ايجاد منطقة عازلة على الحدود الشمالية والشرقية بينها وبين قطاع غزة،وستكون هذه المنطقة على حساب اراضي غزة ، وقد يتم تقديم اقتراح بإيجاد نقاط مراقبة دولية على غرار النقطة الموجودة في سيناء او المعروفة باسم(MFO )، ناهيك عن المطالبة لاحقا بتغيير الإدارة الحاكمة في القطاع ، وهو امر قد يواجه بعض العراقيل الأولية في حال عرضه على مجلس الامن الدولي.

3- أن يتحول مستوى المشاركة من طرف محور المقاومة الى مستوى أعلى من " عملياته التضامنية " الحالية، وهي عمليات للتوفيق بين ضرورات التضامن مع غزة من ناحية وضرورات مراعاة ظروف اطراف هذا المحور المحلية والاقليمية والدولية من ناحية ثانية، لكن الطرف الاسرائيلي قد يستغل هذه المعادلة ابشع استغلال ، وهو امر مرهون بالموقف الايراني الذي يبدو انه اتخذ قرارا بعدم المشاركة المباشرة والابقاء على مستوى الانخراط في المواجهة في الحدود الحالية ، وهي حدود افضل كثيرا من حدود دور الدول العربية لكنها اقل كثيرا من متطلبات الحفاظ على تماسك المحور وصورته السياسية.

4- حدوث تغير في الموقف المصري ، وهو امر لا نظنه محتملا ، بل لا استبعد زيادة الخناق للتخلص مما تعتبره الادارة المصرية جناحا عسكريا للاخوان المسلمين لا حركة تحرر وطني.

5- حدوث تغير في موقف كل وليس بعض دول التطبيع بالغاء الاتفاقات مع اسرائيل( المغرب والسودان والاردن ومصر ودول اتفاق ابراهام) ومعهم تركيا، وهو امر لا تشير له اي من معطيات الواقع خارج سياق شجب وأدان ...الخ.

اما على المستوى الزمني الابعد ، فان الصورة فيها بعدان تشعر اسرائيل بالقلق منهما:

1- ان اسرائيل تعيش منذ بداية وجودها حتى الآن( 75 سنة) صراعا لم يتوقف، قد تتغير اساليبه او درجة عنفه او أطرافه، لكن دورته دائمة دون توقف، وهو امر بدأ يترك تأثيرا على النخب والمجتمع الاسرائيلي في التساؤل عن مدى جدوى هذا المشروع الاسرائيلي ،وهو ما نراه في كتابات بن موريس وايلان بابيه وجدعون ليفي ...الخ.

2- يلاحظ ان هناك تغيرا هاما في اطراف الصراع ، فقد دار الصراع دائما بين " دول" عربية واسرائيل، لكن الصراع الآن يدور بخروج الدول من المواجهة واحتلال الحركات الشعبية محلها في إدارة الصراع( المقاومة الفلسطينية، انصار الله، حزب الله، الحشد الشعبي، ناهيك عن تيارات سياسية في كل دولة عربية تتبنى هذا النهج الشعبي المقاومة) ناهيك عن تراجع شديد في "مهابة النظم السياسية الرسمية " في الذهن الشعبي العربي، وهو ما تراه اسرائيل خطرا شديدا على المستوى الزمني البعيد .

هل تأتي ربما في هذه الصورة ؟ ...بالتأكيد هي حاضرة دائما.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات