هزائم يفسرها الاستبداد

مقدمة:

تنطوي المنظومة القيمية لكل مجتمع من المجتمعات على معطيات سلبية وايجابية، فليس هناك مجتمع مثالي إلا من باب السعي للاقتراب من هذا المجتمع المثالي رغم أن احدا لن يحققه بحكم طبيعة الانسان وتعقيدات الحياة البشرية، وككل مجتمع من مجتمعات العالم ، تنطوي المنظومة القيمية العربية على ابعاد ايجابية (الى جانب السلبية )، لكن الفرق بين مجتمعنا المعاصر وغيره من المجتمعات أن الآخرين يبحثون عن قنوات لتتدفق منها هذه الايجابية لتصب في كل منحى من مناحي الحياة .

ويمثل احترام إرادة الشعوب في خياراتها المجرى الرئيسي لنهر التطور، لكن مجتمعنا اقام سدودا امام هذا المجرى عبر الاستبداد واحتكار السلطة، فلن نتقدم لا تكنولوجيا ولا معرفيا ولا سياسيا ولا اقتصاديا ولن ننتصر في اية معركة عسكرية إلا بمقدار ما يُسمح للطاقات الشعبية والابداع المجتمعي بأن يتجسد في كل اوصال حياتنا...لكن الاستبداد يقف لنا بالمرصاد ويوصد باب التطور ، بل ويجري تقنين هذا الاستبداد وتثقيف المجتمع به بل واضفاء مسحة اخلاقية عليه رغم رذائله التي لا تحصى.

الراهن العربي المعاصر:

عند اطلاعي على التقرير الكامل لمؤشر الديمقراطية في العالم حتى مطلع 2024، والذي نشرته مؤسسة EIU(Economist Intelligence Unit) تبين لي ان الاقليم العربي يحتل (وبجدارة) المرتبة الاولى في الاستبداد بين اقاليم العالم كلها(الامريكيتين الشمالية والجنوبية-واوروبا شرقها وغربها، والأقاليم الاسيوية خارج العالم العربي ،وافريقيا وأقيانوسيا)، ودعوني اطلعكم على النتائج حتى مطلع هذا العام 2024.

أولا: منهجية القياس:

يستخدم نموذج القياس خمسة مؤشرات رئيسية لكل منها مؤشرات فرعية يصل مجموعها الكلي الى 60 مؤشرا فرعيا هي:

1- العملية الانتخابية والتعددية( 12 مؤشرا فرعيا)

2- الأداء الحكومي وتأثير القوى الاجنبية على قرار الحكومة( 14 مؤشرا )

3- المشاركة السياسية(9 مؤشرات)

4- الثقافة السياسية(8 مؤشرات)

5- الحريات المدنية( 17 مؤشرا)

ثانيا : نتائج الدول العربية (العلامة من 10) لنهاية 2023

الدولة المرتبة عالميا العلامة ( من10).

تونس..... 5.51..............82

المغرب...5.04..............93

موريتانيا..4.14............108

الجزائر...3.66............110

قطر......3.65........... 111

لبنان.....3.56........... 112

الكويت...3.50......... 114

فلسطين...3.47....... 115

عُمان.....3.12........ 119

الاردن...3.04....... .122

الإمارات..3.01...... 125

مصر.....2.93...... 127

العراق....2.88....... 128

البحرين...2.52..... 139

السعودية...2.08... .150

اليمن....1.95...... 154

ليبيا......1.78......157

السودان..1.76....158

سوريا....1.43....163

ثالثا: حركية الاستبداد العربي:

تبين من مراجعة التقرير أنه من 2012(مع حمى العشرية السوداء في العالم العربي ) الى 2023 كان التراجع الديمقراطي تراجعا خطيا ، فقد كان المعدل العام في 2012 ما يعادل 3.73 نقطة، وتراجع سنويا الى ان بلغ 3.23 مع نهاية 2023. ولو نظرنا في المرتبة العالمية للدول العربية سنجد ان متوسطها الحسابي يقع بين المرتبة 125 و 126.

الخلاصة:

1- رغم ان كل الدول العربية تقع في خانة الاستبداد تقريبا، إلا ان الدول الاربع الافضل بين الدول العربية هي دول المغرب العربي(باستثناء ليبيا الأقرب للمشرق العربي جغرافيا) ،وهو ما يعني ان تقسيم المنطقة العربية الى نظم اقليمية فرعية سيعطينا مؤشرا على ان المغرب العربي هو الاقرب للتأهل للتحلل من الاستبداد رغم ان رحلته ستكون طويلة ، فهو محكوم استبداديا لكنه أقل سوءا من " المركز العربي التاريخي".

2- تقع دول حوض النيل (مصر والسودان) كنظام اقليمي فرعي في المرتبة الاخيرة عالميا وعربيا (وهما ضمن الاقل في معدل الدخل عربيا) بينما يلي اقليم حوض النيل اقليم دول مجلس التعاون الخليجي (التي تمثل الأعلى في معدل الدخل الفردي)،فدول المجلس تحتل المرتبة ما قبل الاخيرة في معدل الديمقراطية بمعدل عام 2.98، ذلك يعني ان لا صلة واضحة بين الاستبداد ومستوى الدخل على الأقل في الحالة العربية، وعند قياس معامل الارتباط بين الاستبداد ومعدل الدخل كان المعامل صغيرا للغاية.

3- أن احتلال المنطقة العربية مركزا متقدما جدا في معدل الانفاق العسكري وبالمقابل مركزا متخلفا جدا في معدل الانفاق على البحث العلمي ،يتضح أن هاتين الظاهرتين ليستا منبتة الصلة عن الاستبداد، فهي انظمة "تدلل جندها " لحمايتها ،وتشيح وجهها عن البحث العلمي خوفا من تنامي الوعي الذي لا يقبل الاستبداد.

4- الملاحظ ان الاستبداد العربي ليس فقط في "تفرد مُتخذ القرار"، بل في اعلام مدفوع الآجر، وفي نُخبٍ فقدت اخلاقيات الدور الريادي ، وعسس يندس بين " العربي وثوب النوم وزوجته" على رأي المرحوم مظفر النواب.

اخيرا..هزائمنا وتناحرنا وتخلفنا ليست مصادفات…بل هي حنظل الاستبداد…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات