مستقبل خطة التهجير في غزة

شكلت دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى تحويل قطاع غزة الى "ريفيرا غزة" صدمة كبيرة لحلفائه وخصومه على حد سواء، فهي المرة الأولى التي تعلن دولة عظمى أنها تتبنى " تهجيرا قسريا" وبكيفية فظة ، وإذا استثنينا ترحيب اقصى اليمين الصهيوني بالفكرة ،فان الاستهجان او الرفض شكل السمة العامة لكل ردود الفعل الدولية.

أولا: الخلفية العامة للموضوع:

يمكن القول بأن الخلل الديموغرافي لصالح الفلسطينيين في إجمالي الجغرافيا الفلسطينية التاريخية هو الدافع المركزي للمشروع ، فإسرائيل –بخاصة يمينها السياسي- يرى ان الحل الأمثل للمشكلة لا يكمن في حل الدولتين- وهو حل لم يذكره ترامب لا في رئاسته الأولى ولا في حملاته الانتخابية ولا في الوقت الراهن- ولا في حل الدولة الواحدة بل في التهجير –قسرا وطواعية- للفلسطينيين، لان المشكلة ستزداد حدة مستقبلا بخاصة لان نسبة الزيادة السكانية بين الفلسطينيين تفوق نسبتها بين اليهود ، مما يجعل الخلل الديموغرافي يزداد لصالح الفلسطينيين فتزداد المشكلة تعقيدا.

ثانيا: هل سيتم التهجير أم لا:

هناك عشرة مؤشرات لصالح استمرار تبني العمل على تنفيذ التهجير بكيفية أو أخرى(حربا أو سلما) هي:

1- ضعف الرفض العملي العربي وعدم ربط الرفض بإجراءات عملية واضحة ومؤكدة.

2- لا أخلاقية الرئيس الأمريكي وعدم اكتراثه باي منظومة قيمية أو دولية أو إنسانية .

3- قسوة الوضع الاقتصادي في القطاع ( بسبب الحصار قبل الطوفان – وخلال الطوفان - وضيق الموارد الداخلية البديلة للمعونات الخارجية، والتلكؤ في تقديم الدعم).

4- خيبات الأمل من المستقبل لدى المجتمع الفلسطيني بقدر يدفع الى الإحباط الشعبي من الوصول الى الحل المطلوب،وهو ما سيؤدي الى تزايد الضغط للهجرة .

5- قدرة الطرف الآخر (أمريكا وأوروبا ودول البترول العربية) على الغواية المالية لقبول التهجير من خلال تقديم التسهيلات وفرص العمل والحملات الإعلامية القائمة على زرع الخوف من المستقبل .

6- سوء الإدارة التي تقودها سلطة التنسيق الأمني نتيجة الفساد واستقطاع نسب من الرواتب عن الموظفين ووقف رواتب الأسرى والشهداء عن عائلاتهم ، يفاقم حجم اليأس بين الشعب.

7- القلق الإسرائيلي على مستقبل التوازن الديموغرافي في فلسطين التاريخية يجعل إسرائيل اكثر إصرارا على التهجير المطلق أو النسبي الكافي..

8- احتمالات توفير مبلغ الأعمار (53 مليار دولار طبقا لتقديرات القمة العربية حسب الخطة المصرية ) احتمال ضعيف في ظل الخبرة من الدعم الدولي لفلسطين في مؤتمرات التسوية المتعددة، فاغلب المؤتمرات الدولية الخاصة بفلسطين منذ أوسلو لم تف إلا بنسب غير كافية من التعهدات التي تم الإعلان عنها.

9- احتمال الصراع الداخلي الفلسطيني بين سلطة التنسيق الأمني وبين قوى المقاومة، وهو امر سبق وأن وقع ،مما يزيد الضغط للفرار من "مسارح الاقتتال".

10- احتمال امتداد مرحلة التعمير لفترة أطول من المتوقع نظرا لعدم توفر الأموال أو لربط بعض الأطراف الدعم بشروط سياسية قاسية.

بالمقابل هناك مؤشرات كابحة لعملية التهجير وهي:

1- الرفض الأولي للتهجير من اغلب دول العالم ومن المنظمات الدولية، فلم تعلن أي جهة دولية باستثناء إسرائيل وأمريكا فقط عن تأييد التهجير .

2- القلق الشعبي الغربي من الأعباء السياسية للتهجير ( مثل تزايد احتمالات العنف في الدول المستقبلة للمهاجرين ، أو إن الهجرات تقود الى تعزيز الفاشية بخاصة في أوروبا ) وهناك الأعباء الاقتصادية( بخاصة حيث توجد في الدول المستقبلة متغيرات كابحة مثل البطالة والأسعار والأنفاق) وكوابح اجتماعية ( التصادم القيمي) ، وتشير استطلاعات الراي الغربية( في أوروبا وأمريكا) الى أن نسبة رفض استقبال المهاجرين تتزايد بشكل واضح مما يشكل ضاغطا باتجاه الرفض .

3- القلق من بعض الدول العربية من تداعيات القرار(قمة القاهرة الأخيرة) بخاصة إذا كان التهجير للدول العربية المجاورة مثل الأردن ومصر ولبنان وسوريا والعراق بل وحتى دول الخليج، والدراسات تشير الى أن التهجير للدول المجاورة سيكون هو النسبة الأعلى من عدد حالات التهجير القسري، وهو ما يعزز الرفض.

4- وجود قطاع رفض قوي وفاعل من المعارضة من التنظيمات الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني ، ناهيك عن القلق من أن نجاح التهجير في غزة قد يغوي لتكراره في الضفة الغربية في مراحل لاحقة، وهو ما يعزز الرفض الحالي.

5- صعوبة وجود دول تقبل أعداد كبيرة ، فهناك فرق بين قبول حالات فردية وبين قبول ملايين الأفراد.

6- التضييق على وكالة الغوث يزيد من قلق من يوافق على الهجرة، لان رعاية المهاجرين غير مضمون ، فقد تتم رعايتهم لفترة ثم يجري التخلي عنهم.

7- عدم الاستقرار الداخلي في إسرائيل قد يعطل السعي لتنفيذ المشروع ، فإسرائيل تحتل المرتبة 173 بين 193 دولة في معدل الاستقرار السياسي، وهو ما ينطوي على احتمالات تغير في التوجهات أو الانشغال بصراعات داخلية..الخ.

8- التراخي المتزايد في تبني الإدارة الأمريكية للمشروع وهو ما يتضح في التفاوض المباشر بين أمريكا وحماس، كما أن تصريحات ترامب اللاحقة تنطوي على عدم الزامية المشروع، بل إن مبعوثة للشرق الأوسط قال حرفيا "ان الخطة ليست للإخلاء بل لتحسين الظروف الحياتية ، ولا تعني التهجير القسري، لان هذا سيقود نحو مزيد من التطرف".

9- صورة الفلسطيني في الذهن الدولي بانه عنصر عنيف ويميل الى خلق عدم الاستقرار يجعل الترحيب به اقل غواية .

10- إن تهجير غزة لا يحل المشكلة السكانية والأمنية لإسرائيل على المدى البعيد ، فصحيح أنها تخفف الخلل الديموغرافي لكنها لا تحله بخاصة على المدى الطويل، فلو افترضنا هاجر كل سكان غزة فانه سيبقى 5.5 مليون في الضفة الغربية وأراضي 1948، وسيعود معدل الخلل الديموغرافي الحالي خلال حوالي 10-15 سنة.

11- القلق النسبي من المجتمع الأمريكي بان خطة ترامب قد تفتح الباب لتورط أمريكي اكبر في الشرق الأوسط في ظل النزعة غير التدخلية عسكريا من ترامب والفشل في التدخلات السابقة.، فترامب اقل ميلا للأداة العسكرية قياسا بولعه بالأداة الاقتصادية، ولكن الأداة الاقتصادية ليست قليلة بالضرورة(فالمبلغ 53 مليار دولار ).

12- الرغبة المصرية من ناحيتين ، إن التهجير سيعيد ربط الموضوع الفلسطيني بالشأن المصري من ناحية وهو ما لا تريده الحكومة المصرية ، كما أن دعم مشروع إعادة الإعمار سيمنح مصر فرصة في استغلال فرصة الإعمار لجني المشاركة الواسعة من شركاتها في المشروع ، بينما التهجير لن يعود بأية منافع ذات دلالة لمصر.

ودون دخول في التفاصيل المرهقة للحساب الكمي للموازنة بين المؤشرات- مع و ضد- والتأثير المتبادل بين المؤشرات سلبا وإيجابا ، والموازنة بينها من خلال معامل الترابط بينها من ناحية وقياس تسارع كل منها والفارق في التسارع من ناحية ثانية ، فان النتيجة تراوحت بين ثلاثة سيناريوهات لترجيح ايهما اكبر:

1- التهجير القسري: 29%

2- الجمع بين نسبة من التهجير القسري ونسبة من التهجير الطوعي: 12%

3- فشل المشروع في التهجير القسري مع بقاء تهجير طوعي 59%.

ثالثا: البيئة الدولية والاتجاه الأعظم لنماذج التهجير القسري:

طبقا للمراجع المتخصصة في موضوع الهجرات القسرية بسبب الحروب والمنازعات وبسبب الكوارث الطبيعية ، تضاعف عدد المهجرين قسريا خلال الفترة من 2014 الى 2023 من 59.5 مليون مهجر الى 117.3 مليون، وازداد الرقم خلال عام 2024 بحوالي 2.7 مليون مهجر، لكن اكثر من 65% من المهجرين كانوا لأسباب سياسية ابرزها الحروب الدولية والداخلية. وتشير الدراسات المختلفة الى ان 73 % من المهجرين قسريا جاءوا من خمس دول هي: أفغانستان وسوريا وأوكرانيا وفنزويلا وجنوب السودان، واكثر الدول استقبالا للمهاجرين قسريا هي ايران وتركيا وكولومبيا وألمانيا وباكستان، لكن الملفت للانتباه هو ان 69% من المهجرين قسريا ذهبوا الى دول مجاورة لدولهم، لكن الأخطر من ذلك أن 75% من الدول التي استقبلت المهجرين هي دول تقع بين الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل. وهو ما يعني ضرورة التنبه الى ما يلي:

أ‌- إن الوعود بحياة افضل في الدول المستقبلة ليس صحيحا نظرا للأوضاع الاقتصادية في تلك الدول.

ب‌- أن 27% من المهجرين ذهبوا لدول غير مجاورة ولكنها تنتمي لنفس الإقليم و ذات مستوى اقتصادي مقارب لإجمالي الإقليم.

ت‌- أن 4% فقط ذهبوا لدول بعيدة وذات مستوى اقتصادي جيد.

ذلك يعني أن المعطيات الدولية في ارض الواقع لا تدعم أوهام ترامب بخلق ريفيرا في المكان المهجور ولا في ظروف افضل في المكان الجديد المقصود، فهو لا يتجاوز 4%.

رابعا: المطلوب:

1- إن رفع الحصار عن غزة فورا هو اقوى عامل بيد العرب لمنع التهجير القسري أو حتى الطوعي، وارى أن على الدول العربية أن تتقدم بطلب لمجلس الأمن الدولي يقضي برفع الحصار عن القطاع استنادا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مما يعزز من الضغط على إسرائيل ويمهد للدخول في المرحلة الثانية من وقف اطلاق النار من ناحية ويكشف الموقف الأمريكي حول مدى الإصرار على التهجير القسري ام ان الأمر موقف تفاوضي.

2- الإسراع العربي في جمع الأموال بخاصة للأغراض المعيشية والطبية كمرحلة أولى لتعزيز صمود السكان في القطاع.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات