هل إسرائيل في مأزق ؟

رغم مرور 77 عاما على إعلان تأسيس إسرائيل "كدولة"، فإنها فشلت في أربعة أبعاد:

أ‌- تحديد نهائي لإقليمها الجغرافي، فهي حتى الآن دون حدود مستقرة أو معترف بها .

ب‌- لم تتوقف عن الحروب ، فطبقا لسجل حروبها الكبرى والصغرى فان إسرائيل تنخرط في حرب كل 3.9 سنة .

ت‌- إن عدد السكان الفلسطينيين في الأرض التي تعتبرها إقليمها التاريخي ما زال اكبر من عدد سكانها اليهود، كما أن نسبة الزيادة السكانية بين العرب تفوق الزيادة بين اليهود ،ناهيك عن ان معدل التزايد في الهجرة اليهودية من فلسطين تزايد في أعقاب طوفان الأقصى.

ث‌- تآكل في مكانتها الدولية، فقد دللنا في دراسة منشورة قبل شهر على أن مكانة إسرائيل الدولية تضررت بعد طوفان الأقصى بمعدل 78.8%، إذ تراجعت 313 نقطة في 13 مؤشرا ، وبلغت نسبة التراجع في "عدد" المؤشرات السلبية حوالي 61%.

تخبرنا الخبرة التاريخية الإنسانية أن النموذج " الاسبارطي " لم يتمكن من البقاء قياسا للنموذج "الاثيني"، وان النموذج الاستعماري الاستيطاني الإحلالي فشل فشلا ذريعا، وان إقامة الدول على أسس "الثقافات الفرعية" يواجه معضلة عميقة أمام طوفان العولمة الذي يُعلي من شأن الروابط العضوية على حساب الروابط الآلية، وهو ما أدركه وبوضوح رئيس وزراء إسرائيل الأسبق شيمون بيريز مبكرا، ورأى فيه مأزقا قادما حين قال "إن ثقافة الشاشة ستهزم ثقافة الكتاب المقدس".

سبق وذكرت أن أمام إسرائيل ثلاثة حلول لا رابع لها:

1- حل الدولتين:

وهو الحل الذي يتزايد تأييده عالميا (رغم كل ما يقال من تشكيك فيه)، وهو حل ينطوي على تفكيك المستوطنات-أو حتى بعضها- في الضفة الغربية والقدس الشرقية ، وهو ما تراه النخبة الفكرية الإسرائيلية مقدمة لحرب أهلية بين الدولة الإسرائيلية وبين حوالي ثلاثة أرباع مليون مستوطن اغلبهم من المتدينين ، كما ان هذا الحل يجعل العمق الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي ضيقا الى حد يصل لعشرة كيلومترات فقط، وهو امر غير مقبول في عالم التكنولوجيا المعاصر .

2- حل الدولة الواحدة:

وهذا يعني إما دمج الفلسطينيين ومساواتهم باليهود (وهو ما يعني سيطرتهم على الكنيسيت في ظل عددهم السكاني) أو إبقائهم في دائرة الاضطهاد( وهو ما يعني إعادة إنتاج نموذج جنوب إفريقيا الذي انتهى بسقوط نظام الفصل العنصري) ناهيك عن استمرار وتيرة عدم الاستقرار الداخلي والذي جعل إسرائيل تتراجع فيه دوليا من المرتبة 139 الى 173 بعد طوفان الأقصى، ومعلوم أن معدل عدم الاستقرار يمثل احد اهم متغيرات الشلل الاقتصادي والاضطراب الاجتماعي والهجرة...الخ.

3- الحل الثالث وهو الحل الأفضل لإسرائيل هو التهجير (القسري أو الناعم أو كلاهما)، وهو حل يواجه صعوبات كبيرة فلسطينية وعربية ودولية، كما أن تداعياته لا حدود لها، إضافة الى أن المجتمع الدولي متردد في قبوله، لكنه الحل الأفضل لإسرائيل لأنه يحل كل المشكلات التي أتينا عليها.

إن التصريحات الأخيرة لعدد كبير من كبار صانعي القرار السياسي في الاتحاد الأوروبي إضافة لبريطانيا ، وفي 145 دولة أخرى من مختلف دول العالم بينها روسيا والصين ، تشير الى أن إسرائيل ستواجه مأزقا محددا يتمثل في :مأزق مواجهة الاتجاه الدولي المتزايد نحو إيجاد حل خارج التهجير(والتهجير يمثل الخيار المفضل لإسرائيل) أو القبول بحل الدولتين (وهوما ينطوي على احتمال عال بحرب أهلية داخل إسرائيل) أو القبول بحل الدولة الواحدة( وهو ما يعني سيطرة هادئة للفلسطينيين في حالة الدولة الديمقراطية أو استمرار وتيرة عدم الاستقرار ،وقد تكون وتيرته اعلى من المستوى الحالي), ذلك يعني أن إسرائيل قلقة من مرحلة ما بعد الطوفان.

يبقى حل آخر، وهو الرهان على هشاشة الوضع العربي، فمحور المقاومة تراجع وبقوة بعد انقلاب نعيم قاسم في حزب الله، وخضوع الحشد الشعبي العراقي لورثة بريمر، وقيام سلطة سورية قفزت في أيام قليلة من ثقافة "حنبلية متزمتة وتتبنى الجهاد ضد الكفار" الى ثقافة الحداثة والعقلانية المصنوعة وبكل استهانة واستخفاف بعقل المراقب بل وبعقل حليفها الوطني ، وكل ذلك يجري في دورق عربي جعل المرتبة العربية تقف في آخر قائمة 10 مؤشرات قياسا لبقية أقاليم العالم ، فالمغرب العربي يحتقن تدريجيا داخليا وإقليميا ، والسودان يسبح في دمائه ، ومصر فقدت دورها وبالضبط كما توقع المرحوم جمال حمدان، والباقي يصطف بعضه في " جنون الثروة " بينما يصطف البعض الآخر في طابور "جنود الخفاء".

إن المستقبل يأخذنا نحو مأزقين : مازق إسرائيلي ومأزق عربي، ويبدو أن التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي يسير باتجاه العمل- قدر المستطاع وبتدرجية- نحو حل المأزق الإسرائيلي من خلال تعميق المأزق العربي، فكلما ازداد عمق المأزق العربي (الاستبداد والفساد وعدم الاستقرار والتبعية والتخلف والعسكرة والتشظي الاثني ...الخ) كلما اصبح "التهجير اكثر يسرا، لكن تكاتف موقف عربي جديد( وهذا من باب التفكير الرغائبي) سيعطل خروج إسرائيل من مأزقها وتتسع دائرة الضغط الدولي عليها لتبني حل الدولتين أو الدولة الواحدة وهو ما يعمق أزمتها...فهل من مستجيب؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات