غزة و" مواطن الشبهات "

في المشهد السياسي والعسكري والإنساني في طوفان الاقصى أمور لا تحتاج لتوضيح (بسالة وتحمل المقاومة لضغوط هائلة ، والعنف الهمجي الصهيوني، والتعاطف الشعبي العربي وغير العربي مع المقاومة او مع الانسان الفلسطيني في غزة، والفقدان المتزايد لمقومات الحياة لسكان غزة، والاصرار المصري على طي ملف المقاومة الاسلامية في غزة، ثم الدعم الامريكي غير المحدود لاسرائيل).

بالمقابل ثمة أمور مشتبهات ، أولها موقف محور المقاومة، فهو موقف ملتبس ، فايران تحذر من الانزلاق نحو التحول في الصراع الى مستواه الاقليمي ، لكنها تعمل بكل نشاط لمنع وقوع ذلك بل وتشير اغلب توجهات الدبلوماسية والتقارير الايرانية الى الضغط بهذا الاتجاه ، وخلفية الموقف الايراني في هذا الجانب هو أن ايران تعتقد ان اسرائيل تريد الضغط باتجاه مواجهة امريكية ايرانية تنتهي بتحطيم ايران على غرار ما جرى في العراق، وهو "الكمين" الذي لا تريد ايران التوجه صوبه ، لكن ايران لكي لا تبدو جاحدة ، تضغط باتجاه تكتيك واضح هو تنشيط حلفائها بقدر ينجيها من لوم الفرع الفلسطيني في محور المقاومة لها، فهل الامر كذلك؟

المشتبه الثاني موقف دول التطبيع العربي الرسمي (وهي 6 دول اضافة لسلطة التنسيق الامني ) والتطبيع غير الرسمي وبقنوات خلفية(دولتان)، والاشتباه في مواقف هذه الدول هو الفجوة الهائلة بين القول(بيانات وتصريحات ) وبين الفعل ( قطع العلاقات باشكالها المختلفة مع اسرائيل) ، وهذه الفجوة تشير الى ان القول وعلو الصوت لا يخفي التنسيق الخفي والضمني مع كل من الولايات المتحدة واسرائيل، وأنا هنا اضع مؤشرا محددا على الاشتباه في مواقف هذه الدول: لماذا لا تطرح دول التطبيع على شعوبها استفتاء فيه سؤال واحد محدد جدا هو: هل توافق على قطع كافة العلاقات مع اسرائيل :نعم/ لا؟ وساكون اول المصفقين للعلاقة مع اسرائيل إذا كان اغلب الشعب موافق على ذلك، ولكن لماذا لا يتم طرح السؤال، لأن مصلحة النظام تعلو على مصلحة المجتمع والدولة والدين والتاريخ والاخلاق ، فاستمرار المقاومة لا يتسق مع "اولوية النظم" وتحالفاتها الدولية التي تريد بقاء هذه النظم ، ويكفي ان نتوقف عند عدد العرب الذين شاركوا في القتال ضد روسيا في افغانستان واشرف على ارسالهم مؤسسات هذه الدول العربية الامنية والعسكرية ، وتصل بعض التقديرات الى ان عدد السعوديين الذين ذهبوا لساحات المعارك في افغانستان تراوح ما بين 12-20 الف مقاتل، وانها دعمتهم في العام الاول بحوالي 800 مليون دولار.. وقدر مدير الاستخبارات الباكستانية الأسبق حميد غول أن المجاهدين العرب في افغانستان تجاوزوا " 38 ألفا".، وبعد ان ادى هؤلاء "المجاهدون " المطلوب امريكا وعربيا، انقلبت عليهم دولهم وبدأت في مطاردتهم. فهذه الدول وقفت ضد الاتجاهات القومية(ناصر والبعث ..الخ) ووقفوا ضد اليسار (في اليمن وفي مطاردة الاحزاب الشيوعية) ووقفوا ضد الليبرالية والانتخابات والاحزاب وتداول السلطة، ووقفوا ضد الحركات الاسلامية بعد ان استغلتهم في حروبها مع الآخرين، فلا هم: قوميون ولا ليبراليون ولا شيوعيون ولا اسلاميون ..هم سلطويون فقط.

المشتبه الثالث هو التفاوض حول الرهائن او الاسرى، فوجود ديفيد بارنيا (رئيس الموساد) في قطر يستوجب سؤالا محددا:لماذا قطر؟ فمصر تشارك في التفاوض لجوارها الجغرافي ودورها في الحصار على غزة ووزنها العربي..الخ، اما قطر فالأمر بحاجة لتفسير، فهي تدفع للمقاومة "لكي تجد أذنا فلسطينية تسمعها لنقل ما تريده اسرائيل والولايات المتحدة" وهي قناة للتواصل بين كل خصوم الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وافريقيا وآسيا وبين الحركات الاسلامية في هذه المناطق بما فيها فلسطين ، وكل ذلك مقابل حماية قطر من جوارها العربي وغير العربي(وتتذكرون ازمتها الحادة جدا مع مجلس التعاون الخليجي ومصر لأنها فازت من دونهم بآلة دبلوماسية الإنابة ) ،وما وجود اكبر قاعدة امريكية في الشرق الاوسط فيها إلا دليل قاطع على دورها المشتبه...بل ان تصريح زياد نخالة عن "ان مسار التفاوض حول الرهائن لدى المقاومة قد يضطرهم للذهاب نحو خيارات أخرى " دليل على أن المقاومة تتعرض لضغوط قطرية مصرية للاستجابة للشروط الامريكية والإسرائيلية العاجلة مقابل ما هو اقل من مطالب المقاومة .

المشتبه الرابع هو الموقف الروسي والصيني، فمن المؤكد ان انتقال كل كاميرات الاعلام وكل النشاطات الدبلوماسية الهامة في الامم المتحدة وبقية المنظمات الدولية الى غزة ، يجعل روسيا في وضع أكثر من مريح لترتيب امورها في جبهة اوكرانيا، ويتقلص المدد الغربي ضدها، وتتقلص المساحات الزمنية في الاعلام الغربي ضدها، وهو أمر يثير الاشتباه في رغبتها في استمرار معركة غزة لصالح روسيا رغم الدعوات لوقف اطلاق النار والتي من المؤكد ان روسيا تدرك تماما انها لن تقبل لا من اسرائيل ولا من الولايات المتحدة الا ضمن شروط قاسية.

اما الصين ، فان النزعة البراغماتية الطاغية على الدبلوماسية الصينية يجعلها ترى ان حجم منافعها مع اسرائيل بخاصة في مجال التعاون التكنولوجي وتيسير نجاح مبادرة الحزام والطريق ومزاحمة مشروع الممر الاقتصادي الهندي الاوروبي اهم كثيرا من انتصار المقاومة او خروجها معافى من الهجوم الاسرائيلي الامريكي، ولكنها تستفيد من احتمالات التورط الامريكي لتتفرغ الصين لتايوان، ومن يتابع الاعلام التايواني يتلمس القلق من الانعكاسات السلبية لمعركة غزة على الموقف في تايوان، وهو ما يفرز اشتبها بالنوايا الصينية والتي قد تبحث عن دور اكبر في استئناف التسوية السياسية بين الفلسطينيين واسرائيل.

ان وضع المقاومة كمن يحفر صخرا برموش عينيه، ورحم الله مظفر النواب:

على أيِ جرحٍ تشُدُ الوثاقا

وأيُ القبور تريد عناقا

وحولك الآن مقبرة

هكذا أمةٌ تتلاقىْ.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات