قبل الخطاب وبعده

تتفق أغلب المصادر الاعلامية على ان خطاب السيد حسن نصر الله هذا اليوم عصرا سيحقق نسبة مشاهدة ربما تكون هي الاعلى ، ومن المؤكد ان طيف التوقعات لما سيقوله يتراوح بين الاحمر(المواجهة الكبرى) والأصفر( ترك الامور غير واضحة ولا محسومة) والاخضر (مكانك قف).

ولو تخيلت نفسي اجلس في كرسي هذا الرجل فان حساباتي ستكون كالتالي:

1- ما مدى الاجماع بين اعضاء هيئة القرار في قيادة حزب الله؟ يبدو ان نسبة التوافق طبقا لتلميحات وتصريحات من هم دون نصرالله في سلم القيادة عالية.

2- ما مدى تناغمي مع البيئة اللبنانية في ظل الوضع الاقتصادية اللبناني المهترئ؟ وما مدى احتمال ان اواجه طعنات داخلية من لبنان؟ ويبدو ان الجمهور اللبناني في قواه السياسية اللبنانية الكبرى اقرب الى حزب الله بخاصة بعد تصريحات قادة التيار العوني وغضب جنبلاط وتنامي جمهور الدعوة الاسلامية ، لكن الفارق بين حلفاء الحزب وخصومه فارق غوايته محدودة .

3- هل الايرانيون اقرب لدفعي للمواجهة ام للمهادنة؟ وهنا لا بد من التأمل في الموضوعات التالية وحسابها:

أ‌- رغم التردد الأمريكي تجاه المواجهة المباشرة ،فان اسرائيل واغلب الدول العربية وعلى رأسها السعودية يتمنون مواجهة امريكية ايرانية لتحطيم ايران على غرار تحطيم العراق، وهو هدف استراتيجي لكل من اسرائيل واغلب دول مجلس التعاون الخليجي،فان تحقق اصبح محور المقاومة بلا ظهر...وفي ذلك مقامرة استراتيجية لا شك ان المخطط الاستراتيجي الايراني يدركها.

ب‌- أن الوضع الاقتصادي الايراني في ظل سياسات الحصار الخانق غربيا، ووجود قوى ايرانية سياسية داخل المجتمع الايراني تتربص بالنظام به وبدعم اجنبي(بخاصة بعض قطاعات البلوش وبعض عربستان وبعض الاذريين والاكراد وبقايا النظام القديم ...الخ) ،كل ذلك لا يجعل ايران ميالة للتصعيد.

ت‌- ان حلفاء ايران من القوى الكبرى(بخاصة روسيا والصين) يتمنون غرق الامريكيين في المنطقة بالقدر الذي يجعل التصرف لهم في أوكرانيا وحول تايوان أكثر يسرا، لكن التقييم الإيراني لمدى استعدادهم لمساندتها متباينة في ظل الغرق الروسي في أوكرانيا والبراغماتية الصينية الطاغية في سياستها الخارجية.

ذلك يعني أن ايران قد تكون اقرب للجم المواجهة أولا ، وإذا كان لا بد من المواجهة فلتكن بواسطة حلفائها الاقليميين مع مساندة لوجستية واعلامية بقدر ما تسمح بها امكانياتها، وقد يكون حزب الله في صدارة من يوكل لهم هذا الامر...لكن العزوف الايراني عن المشاركة له ثمن باهظ، وهو جعل التشكيك في اصالة الموقف الايراني من المشروع الغربي الاسرائيلي في المنطقة أقرب للتصديق، وهو ما يفتح الباب لبداية تشقق في جدار بنته ايران في فلسطين والعراق واليمن ولبنان وسوريا، وهو ما يمثل خسارة استراتيجية كبرى لايران،

4- على المستوى الدولي فان الغرب في اغلبه وبخاصة مع تزايد مشاهد التوحش الاسرائيلي يشعر بان انفتاح المواجهة على المستوى الاقليمي يعني خسائر غربية بشرية(خاصة للأمريكيين في العراق وسوريا) واضطراب في النقل البحري (اذا اشتعل الموقف في باب المندب ومضيق هرمز وعلى طول البحر الاحمر) وجنون في اسعار النفط، ومنح روسيا فرصة التفرد بأوكرانيا ولفترة طويلة، ناهيك عن منح الصين فرصة الغواية للمجتمع التايواني في ظل التمدد الأمريكي الزائد بتعبير بول كينيدي.

5- لا بد ان اضع في اعتباري- كقائد لحزب الله- ان الأداء الفلسطيني المقاوم أداء مبهر للغاية، لكن النزيف المدني، واقفال طرق الامداد العسكري ،وضغوط الحرب الاعلامية الكثيفة لا تمنح الحزب رفاهية الانتظار.

إذن اين النقطة الوسطى في كل هذا؟ إنها في ان يطرح السيد نصرالله في خطاب اليوم " شروطا" فيها جاذبية للمجتمع الدولي الرسمي والشعبي ، وللمجتمع العربي ،وللمقاومة في غزة ولأهلها، فهي شروط ظاهرها النزعة السلمية وباطنها تبرير للمشاركة ،اما الشروط فابرزها وقف اطلاق النار والسماح بفتح المعابر على مصراعيها وربما طرح افق سياسي للمشروع الفلسطيني الكياني بمواصفات غامضة وخاضعة للتأويل...فان لم يكن كذلك فلتكن الحرب …

ولكن ما مقدمات هذه الحرب إذا لم يجد أذنا صاغية لشروطه؟ ، لا اظن أن الضرب المتتالي لكل مواقع المراقبة ونقاط الاستطلاع الاسرائيلي من قبل حزب الله منذ 7 تشرين الاول كانت "للدعاية " السياسية في مواجهة نداءات الاستغاثة من بقية محوره، وانما قد تكون تيسيرا للحركة لقواته، ولكن الى اين ؟ اعتقد ان هدف تحرير مزارع شبعا- او منطقة اكبر او اصغر من مناطق لبنانية محتلة- يمثل نقطة اغراء هامة لحزب الله إذا –وهي إذا كبيرة- قرر المشاركة للأسباب التالية:

أ‌- لمواجهة الداخل اللبناني، فأنني "تصيدت فرصة" لتحرير اراض لبنانية ،وهو ما يعني انني ما "هببت" من اجل النخوة والشهامة بل من أجل تحرير اراض لبنانية مضى على احتلالها عقودا، وبالتالي انا لا أورط لبنان.

ب‌- ان محاولة دخول مزارع شبعا ستجعل اعتراض الجيش اللبناني ضعيفا بل قد تجبره على المشاركة رمزيا او فعليا ، وأيا كان مستوى تدخله فان ذلك يمنح الحزب شرعية لعمله.

ت‌- توظيف الدخول لمزارع شبعا(حتى لو فشل) يعفي الحزب من اي اتهامات بالتقصير في مساندة المقاومة.

ما بعد الخطاب:

لا ريب ان ما بعد الخطاب مرهون بما قبله ، فلكل بديل من بدائل القرار في حزب الله تداعياته ، فان بقي القرار الحفاظ على مستوى التدخل الحالي، فذلك سيخيب أمال قاعدة عريضة ويفتح المجال للتشويه، وان واجه من منطلق" الشهامة" فقط قد يخسر ظهره، لذا سيتجه نحو مواجهة "بعد اشتراطات " تدغدغ كل الاطراف بما فيها شركاء الحزب في المحور ...اما خيار البجعة السوداء فهو أعقد من تلمسه في وقت قصير ومع بيانات غامضة ومع اقليم لا يعرف الحركة المنظمة منذ قرون..ربما.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات