غزة بين المقاوم والمجرم ولإطفائي

يوم أمس جرى آخر تبادل رهائن بين المقاومة الفلسطينية في غزة وبين دولة الاحتلال الاسرائيلي، وعادت دورة الصراع لتطل من جديد ، فهل سيستمر القتال ؟ أم ستتم العودة للهدنة بعد بعض العنف ؟ وماذا بعد كل هذا؟

أولا: من بداية معركة طوفان الاقصى أعلن نيتنياهو أهداف التحرك العسكري ردا على عملية المقاومة في غلاف غزة، وحدد اهدافة بثلاثة اهداف:

أ‌- القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية في غزة

ب‌- استعادة كافة الرهائن والاسرى الاسرائيليين

ت‌- ضمان ان لا تعود غزة مصدر تهديد لأمن اسرائيل

بالمقابل ما هي أهداف المقاومة ؟

لم تعلن المقاومة اهدافا " محددة " من عملية طوفان الاقصى، لكنها وضعتها ضمن سياق جولات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لتحقيق اهدف عامة وخاصة :

أ‌- تبييض السجون الاسرائيلية من كافة المعتقلين والاسرى الفلسطينيين

ب‌- اعتبار العملية –طوفان الاقصى- ردا على استمرار انتهاكات المستوطنين اليهود لحرمة الاقصى والاعتداء على السجناء والمعتقلين في سجون الاحتلال.

ت‌- الضغط على المجتمع الدولي لتخفيف او –على الاقل- فك الحصار الخانق عن قطاع غزة.

ثانيا: البيئة الاقليمية العربية والاسلامية : لقد تحدد الاطار المباشر لسيناريوهات المستقبل في هذه البيئة على اساس سمات محددة على النحو التالي :

أ‌- لم يتم اتخاذ اي خطوة عملية من أية دولة عربية ضد اسرائيل " من خارج محور المقاومة " ، ولم تتجاوز أدوار المؤتمرات العربية والاسلامية والتصريحات الملتهبة من دبلوماسي الدول العربية دور" رجال الدفاع المدني" ، فكل ما يقوله القادة العرب هو في اطار الدعوة لإطفاء الحريق و الدعوة لتقديم المساعدات ، لكن دون اتخاد اي موقف سياسي ذي معنى ( لا قطع العلاقات ،ولا الغاء الاتفاقيات ، ولا التوجه الى غزة ..الخ) ولا اي موقف عسكري(لم تطلق طلقة واحدة من اي جيش عربي) بل ان الحصار المصري لغزة لا يقل قسوة عن الحصار الاسرائيلي، بل إنه حصار يفتقد حتى اخلاقيات الحصار لان النظام السياسي المصري لا يعتبر المقاومة الفلسطينية حركة تحرر ولا يمانع في نزع سلاحها .

ب‌- استئناف العمليات الحربية من الجيش الاسرائيلي يشير الى أن تقدير الموقف الاسرائيلي بعد سلسلة الاجتماعات مع وزير الخارجية الامريكية بلينكن (زار المنطقة 3 مرات خلال الأزمة) أن الموقف الامريكي لن يتجاوز حدود النقد لإسرائيل حتى لو علت نبرته، وأن امريكا طمأنت اسرائيل ان الدول العربية ملتزمة بكل اتفاقاتها وتطبيعها مع اسرائيل ، بل ان الدول العربية تشارك اسرائيل هدفها في رغبة التخلص من المقاومة الاسلامية في غزة .

ت‌- يبدو ان تقدير الموقف الامريكي والاسرائيلي هو أن ايران لن تتجاوز حدودا معينة في هذه المواجهة ، وستبقى حريصة على عدم الوقوع في الفخ "العراقي كما جرى مع صدام حسين في مواجهته للتحالف الغربي والعربي بعد أزمة الكويت"، لكنها ستمارس الضغط من خلال حلفائها في لبنان واليمن والعراق شريطة ان لا يصل هذا الضغط الى نقطة ايجاد المبرر الكامل للمواجهة الشاملة ، ويبدو ان الامريكيين والايرانيين تفاهموا ضمنا( وليس مؤامرة كما يعتقد البعض) على عدم تصعيد المواجهة الى حدود الانفجار، ولعل حجم الحشد العسكري الامريكي حتى الآن لا يوحي بوجود عسكري لمواجهة ايران ، فعند المواجهة مع العراق(وكانت اضعف من ايران حاليا ) حشد الامريكيون والبريطانيون وغيرهم من العرب والاستراليين والمعارضة العراقية والكردية ...الخ حوالي 467 الف جندي، وحاليا لا يزد عدد القوات الامريكية في المنطقة عن 45-46 الف عسكري، ويبدو ان امريكا على قناعة بقدرة اسرائيل لوحدها على التعامل مع حلفاء ايران.

اما البيئة الدولية فتوحي بمؤشرات:

أ‌- تغير تدريجي وبطيء في مواقف دول العالم تجاه ضرورة وقف القتال ، لكن وزن هذا التغير ما زال محدودا

ب‌- ضغوط الرأي العام الدولي الشعبي يتزايد لصالح المقاومة، لكن اثر هذا المتغير يحتاج وقتا كافيا ليفعل فعله.

ت‌- ان قرارات الامم المتحدة بقيت في حدود الاجراء غير الملزم( في حدود الجمعية العامة وبعض لجان حقوق الانسان) دون ان ينتقل ذلك الى قرارات من مجلس الامن حيث القرار الملزم.

ذلك يعني:

1- احتمال العودة للتهدئة مرة اخرى مع محاولة اسرائيل تحسين شروط التهدئة من خلال:

أ‌- تطبيق قاعدة الرهائن المدنيين على الاسرى العسكريين( اسرائيلي واحد مقابل 3 فلسطينيين او اعلى قليلا)

ب‌- ربط اطلاق سراح القيادات الفلسطينية (مروان البرغوثي، احمد سعدات..الخ) مقابل الضباط الاسرائيليين الاسرى من ذوي الرتب العليا.(ضابط اسرائيلي مقابل قائد او 2 او قريب من ذلك من الفلسطينيين)

ت‌- ابقاء المساعدات الانسانية في حدود تخفيف النقد الدولي لإسرائيل ولكن دون الوصول لسد حاجات غزة تماما.

2- استمرار المزاوجة بين الهدنة المؤقتة والعودة للقتال بهدف استنزاف المقاومة عسكريا وماديا ، وعدم الظهور بمظهر المعاند للإرادة الدولية.

3- ترتيب الوضع ما بعد المعركة:

أ‌- استمرار القتال الى حين هزيمة المقاومة ، وستعتمد اسرائيل خطة الخطوة خطوة، وستراهن على ان الدول العربية سترحب بذلك ولكن بطريقة الدفاع المدني، أي ان اسرائيل تشعل الحريق والدول العربية ستتغنى بقدراتها على اطفاء الحريق وجمع رماده .

ب‌- ضمان وضع قوة امنية بديلة للمقاومة (دولية او عربية او مختلطة) وفتح المعابر من مصر لاعادة الحياة الى طبيعتها.

ت‌- اعادة تشكيل القوة الامنية في غزة بالتنسيق مع سلطة اوسلو على غرار التنسيق الامني في الضفة الغربية .

معوقات المشهد الاسرائيلي:

1- ان يتصاعد تدخل محور المقاومة بشكل يتوازى مع ضرورات الموقف ،أي ان يكون ايقاع تدخل هذا المحور مساو لمستوى الهجوم الاسرائيلي على اقل تقدير، حتى لو ادى الى انخراط ايران في المواجهة، وقد يؤدي اتساع ميدان المواجهة الى التأثير على الاستقرار الدولي والاقتصاد العالمي بقدر قد يساهم الى جانب النشاط العسكري لهذا المحور للجم العدوان.

2- اذا اوقعت المقاومة خسائر كبيرة في القوات الاسرائيلية وتصاعدت المقاومة في غزة والضفة الغربية

3- حدوث تغير سلطوي في احد الدول العربية المؤثرة في المشهد( البجعة السوداء).

النتيجة:

ليس هناك صراع عسكري يبقى للابد، سيصل الامر الى نقطة التفاوض خلال القتال او مع نهايته، وهذه المعركة لا تقل ضراوة عن العملية العسكرية، وقد كشف التاريخ المعاصر عن "اهتراء" مطلق في ادارات التفاوض في الجانب العربي.،ومعلوم أن التفاوض ليس منفصلا عن نتائج ميدان المعركة، وعليه ، فان المستقبل أصبح مرهونا بعاملين مركزيين هما :

1- طبيعة رد فعل محور المقاومة اذا ذهبت الامور نحو التصعيد.

2- حجم الخسائر البشرية الاسرائيلية.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات