ماذا يحمل ترامب في جعبته؟

بعد يومين يحل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "ضيفا" على المنطقة العربية ، وسيقوم بزيارة ثلاث دول عربية هي السعودية والإمارات العربية وقطر، ورافق الإعلان عن الرحلة فيض من التكهنات عن " أسرار" الرحلة وأهدافها ، ناهيك عن تصريحات لترامب نفسه ولفريقه الحكومي ، ولم اجد اي اتساق بين كل هذه التصريحات، فكيف نفهم هذا الرجل؟

أولا شخصية ترامب:

ازعم انني تتبعت قدرا كافيا من التقارير والكتب-وبعضها كتبها ترامب نفسه- أو بعض أقاربه(مثل كتاب ابنة أخيه) ناهيك عن قدر كاف من الخبراء الاجتماعيين والنفسيين الأمريكيين، ولن أتوقف عند الجانب العام بل سأتوقف عند البعد السياسي في شخصية ترامب:

أ‌- ترامب لا ينظر للدول ككيانات ذات محتوى سوسيولوجي بل "كعقارات صماء "، فهو ليس معنيا بالسيادة والاستقلال والقانون الدولي والتحرر بل ببعد واحد" ما هو ثمن العقار " ؟ وتخلو منظومة ترامب المعرفية من ما يسميه علماء الاجتماع السياسي الدافع المكاني(Territorial Drive) ، فمفهوم الترابط الوجداني والمنظور السياسي للوطن ليس جزءا من رؤية ترامب، وإلا كيف نفسر دعوته لضم كندا أو غرينلاند أو اخذ قناة بنما أو حقوقه في قناة السويس أو تحويل غزة الى "ريفيرا" ...الخ.

ب‌- أن الكذب-عند ترامب- هو احد الفضائل التي يجب ان يتحلى بها المفاوض السياسي.

ت‌- لا يتورع ترامب عن ابتزاز الخصم الى اقصى درجة وليس هناك أية مثلبة لو خضعت إذا وجدت نفسك في موقف ضعيف) وكتابه The Art of the Deal يشي بذلك بوضوح(.

ث‌- إن صورة العرب في ذهن ترامب هي " تاريخهم كله صراعات بينية، غرائزيون، أغبياء"، وهو ما يجعله مستهينا الى درجة كبيرة بهم .

ثانيا: موضوعات على جدول أعمال ترامب:

ما هي الموضوعات التي يحملها ترامب ليبحثها مع مضيفيه، انها عديدة ومتداخلة وابرزها:

أ‌- الموضوعات التجارية وتشمل: العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج وتشمل توسيع الاستثمارات الخليجية في السوق الأمريكي، تنظيم العلاقة التجارية بين بلاده ودول الخليج بخاصة في ضوء تأثير رسومه الجمركية، توسيع الاستثمارات الخليجية في مجال المعادن المطلوبة للصناعة الأمريكية وبخاصة مع السعودية في هذا المجال تحديدا ،والعمل على المساهمة في إبقاء أسعار البترول منخفضة ، فتح المجال لمزيد من الصادرات الأمريكية لأشباه الموصلات(Semiconductor ) للخليج ، مشروع إنجاز برنامج نووي سلمي سعودي ، مزيد من صفقات التسلح الخليجي وبخاصة السعودي مع أمريكا، حيث تمت الإشارة لصفقة قريبة بقيمة 3.5 مليار دولار مع السعودية.

من جانب آخر، فان لأبناء ترامب علاقات ومشاريع تجارية قد تكون ضمن حواراته الفرعية الجانبية مع بعض كبار رجال الأعمال الخليجيين بخاصة في السعودية والإمارات لفتح المجال لا بنائه لتوسيع مجالات أرباحهم ومشاريعهم.

ب‌- الموضوعات السياسية والأمنية: تتضمن هذه فيضا من الجوانب مثل: حرب غزة بتفاصيلها حول وقف اطلاق النار والرهائن و ما بعد الحرب والإعمار...الخ ، المشروع النووي الإيراني بخاصة والدور الإقليمي لإيران بعامة في المنطقة، التطبيع مع إسرائيل بخاصة من الجانب السعودي ، الأمن البحري وكيفية التعاطي مع انصار الله اليمنيين، احتمالات تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل على سوريا أرضا وسيادة ،وقد يدعو سوريا للتطبيع مع إسرائيل من خلال وسطاء خليجيين مقابل رفع العقوبات ، العلاقات الصينية مع دول الخليج وتوظيفها ضمن المنظور الأمريكي تجاه الصين ، ناهيك عن تكرار الاتهام لحماس بانها تستغل المساعدات الدولية لصالحها .

ت‌- تحديد أدوار وظيفية لكل دولة خليجية منفردة أو ككتلة في خدمة المصالح الأمريكية مثل: الدور القطري في تكييف موقف حركة حماس في غزة ودفع قطر لاستثمار أموالها في اتجاه الضغط على مواقف المقاومة، توسيع الدور الإماراتي في تقديم الخدمات لأمريكا على غرار صفقة السجناء الأمريكيين في روسيا، كيفية توظيف المكانة السعودية في حشد دول الخليج لتقديم المكاسب لأمريكا مما جعلها مركز التفاوض الروسي الأوكراني ،وقد يتم مناقشة ذلك في مؤتمر يعقد لكل دول الخليج خلال زيارة ترامب القادمة بعد يومين...الخ. ونظرا للتنافس الكامن بين دول الخليج في السودان وسوريا وفي العلاقة مع الإخوان المسلمين وفي التشنج الحالي بين الإمارات والجزائر أو حتى في العلاقة مع مصر أو مع القوى الليبية المتنافسة، ويكفي مقارنة المسافة المتباعدة بين الموقف الكويتي من إسرائيل والموقف الإماراتي مثلا.....الخ...وكل ذلك سيستغله ترامب أيما استغلال.

ثالثا: ما الذي يريده العرب من ترامب؟ لعل الهدف المركزي للدول العربية كافة في علاقاتها مع أمريكا هو "ضمان أمن الأنظمة الحاكمة" والباقي خاضع للمناقشة ، وهي على استعداد لتقديم أية تنازلات لأمريكا إذا كان ذلك هو الالتزام الأمريكي تجاه هذه الأنظمة.

رابعا: ظروف زيارة ترامب:

تأتي زيارة ترامب في ظل ظروف دولية في غاية التعقيد، من حرب غزة الطويلة، الى تصاعد التوتر الى مستوى كبير بين دولتين نوويتين متجاورتين هما الهند وباكستان، استمرار الحرب الأوكرانية، الارتباك الشديد في التجارة الدولية اثر قرارات ترامب بمراجعة كل التعريفات الجمركية مع اغلب دول العالم، ناهيك عن انسحابه من عدد من المنظمات الدولية الهامة أو شل بعضها( كما هو حال منظمة لتجارة الدولية التي يعطل هيئة الاستئناف فيها) إضافة للارتباك في العلاقات البينية بين دول الكتلة الغربية ,,,الخ.

خامسا المشهد المحتمل:

اعتقد أن ترامب سيلجأ الى تقديم وعود على ثلاثة أنماط هي الأولى وعود شكلية والثانية وعود خداع ،أما الثالثة فستكون وعود غير مفهومة وملتبسة الدلالة، ومقابل هذه الوعود سيسعى لتحقيق هدفه المركزي "قبض الثمن الأعلى "لكل وعوده بغض النظر عن طبيعتها . ويكفي التوقف عند بعضها:

1- يعد ترامب دول الخليج أن يسمي الخليج باسم الخليج العربي بدلا من الخليج الفارسي، فما هي القيمة الميدانية لمثل هذا العرض الترامبي؟ ولعله يكرر عرضه بتسمية خليج المكسيك بالخليج الأمريكي.

2- قد يخفض بعض الرسوم الجمركية عن بعض الصادرات الخليجية بخاصة التعدينية للإيهام بالتبادلية بين الطرفين، وقد يطلب من قطر تخفيض دعمها لبعض الجامعات الأمريكية التي تعرف تزايدا في نزعة التأييد للحقوق الفلسطينية…الخ.

3- سيقدم عدم ذهابه لإسرائيل كتنازل لا نظير له لصالح العرب، ولا استبعد أن يجتمع سرا مع نتنياهو وفي دول عربية أو بعد انتهاء زيارته للمنطقة ، فترامب لديه قناعة تامة أن العرب يعطون التنازلات الشكلية وزنا اكبر كثيرا من حقيقتها، ويروجون لها بأن ترامب سيغير السياسة الأمريكية مع إسرائيل متناسين انه نقل السفارة الأمريكية للقدس واعتبرها عاصمة ابديه لإسرائيل ولم يوقف مبيعات السلاح لها، ولا زال يعطل أي مشروع في الأمم المتحدة ضدها، وهو الرئيس الأمريكي الذي لا يشير باي شكل من الأشكال الى موضوع حل الدولتين ، وهو من ضرب اليمن ضربا مبرحا ، وقد يعود مرة أخرى رغم الحديث عن اتفاق مع انصار الله، ناهيك انه من فتح باب تهجير غزة وتحويلها لمنتجع سياحي يتمتع فيه كل سائح إلا ابن غزة الذي يريد ترامب نقله للصومال أو السودان أو غيرهما.

4- إن من يطلب من مصر إن تعفيه من دفع رسوم العبور في قناة السويس سيطلب من دول الخليج زيادة مدفوعاتها نظير حمايتها وضمان استقرارها، ويتجه طموح ترامب لا لعلاقات بمليارات الدولارات بل هو يستعد لعلاقات بترليوناتها..

5- سيطلب من دول الخليج ثمنا باهظا نظير عدم مهاجمته لإيران ،مبررا ذلك بانه إنْ ضرب ايران ستقوم ايران بضرب القواعد الأمريكية في أراضي دول الخليج وضرب المرافق الخليجية التي تشكل المرافق اللوجستية للقوات الأمريكية، لذا فلتجنيب الخليج هذا السيناريو لا بد من فتح خزائن الخليج للتعويض.

الخلاصة:

أرى أن ما سيعد به ترامب لن يكون مهما أيا كان ذلك الوعد، لأنه لن ينفذه إلا إذا كان فيه مكسب له ولإسرائيل ، وهو يعلم ان مدة وجوده في السلطة لا تزيد عن حوالي 3 سنوات ونصف وهي فترة قصيرة جدا لمشروعات استراتيجية، لذا سيكون تركيزه على مشروعات الجني السريعة، تاركا المشروعات الحالمة للعرب …

أما مع ايران – فلن تقبل ايران أي نتائج اقل من ما ورد في اتفاقها الأول زمن أوباما- أو بدائل اقتصادية وسياسية وأمنية تتوازى مع ذلك الاتفاق ،ولا مانع لها أن تقدم هذا التنازل حتى على حساب بعض من محورها، المهم ما هو الثمن المقابل.

أخيرا، لا زالت هواجسي عميقة تجاه طبيعة علاقات ترامب مع روسيا، وقد سبق لي أن أنجزت دراسة واسعة حول هذا الموضوع، فإذا كان ترامب ليس مدانا كما قال تقرير المحقق الأمريكي مولر، فانه ليس "بريئا" كما قال نفس التقرير…وهنا قد تنقلب الصورة كلية…مع ربما كبيرة للغاية…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات