قراءة ابتدائية لاتفاق ملغوم

حاولت جهدي الحصول على مضمون الاتفاق بين إسرائيل والمقاومة في غزة ، وقارنت نصوصا متعددة لكي استقر على ما هو متفق عليه في النصوص المنشورة، وطبقا لما راجعته تبين لي ما يلي:

أولا: ليس هناك أي نص " رسمي" في كل ما اطلعت عليه على الانسحاب من القطاع، وكل ما يجري الحديث عنه هو " إعادة انتشار"(Redeployment )، فالانسحاب يعني الخروج التام من الحيز الجغرافي الذي يتم تحديده ، بينما إعادة الانتشار تعني إجرائيا تقليص عدد المواقع العسكرية التي تعمل في المكان مع بقاء السيطرة على نفس الحيز( أي بدلا أن يكون هناك خمسة مواقع للسيطرة على مساحة معينة أو حي ، يتم تقليص المواقع الى 3 مع بقاء المساحة نفسها تحت سيطرة المواقع الثلاث المحددة،) ، ويكفي العودة الى ما جرى تطبيقه في الضفة الغربية في نص اتفاق أوسلو على "إعادة الانتشار فيها" لا على الانسحاب.

كذلك لا بد أن يشمل الانسحاب المياه الإقليمية لغزة، بخاصة أن نسبة الغزيين المعتمدين على الصيد البحري عالية جدا.،

ثانيا: تبدأ عملية إعادة الانتشار الإسرائيلي أولا في الجزء الشمالي وفي ممر نتساريم ، لكن خرائط إعادة الانتشار يجري الاتفاق عليها لاحقا، (وهنا لا توجد إشارة الى المناطق التي سيتم إعادة الانتشار لها بشكل واضح وبتحديد جغرافي دقيق، ولا يوجد أي جدول زمني يشير لمدى التزامن بين تسليم الرهائن وبين إعادة الانتشار )، ذلك يعني احتمال كبير للمماطلة الإسرائيلية بعد استلام الرهائن ، كما أن الاتفاق ينص على إعادة الانتشار في الجنوب في اليوم السابع من الاتفاق وفق "خرائط يتفق عليها" ، وهو ما يفتح الباب أمام إسرائيل الى التلاعب، لذا لا يجوز تسليم أي رهينة إلا بعد اكتمال التوافق تماما على النص وعلى التطبيق ، فلا يجوز التفاوض أثناء تنفيذ الاتفاق .

ثالثا: عدم النص في الاتفاق المنشور على التزامن في كل مقايضة، فمثلا لماذا يتم اطلاق الرهائن الإسرائيليين قبل اطلاق الرهائن الفلسطينيين، ولاحظنا في المرات السابقة المماطلة الإسرائيلية وتأخير اطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين أحيانا ليومين كما جرى في المرات السابقة، لذا لا بد من النص الواضح على:

أ‌- مساحات الانسحاب (أو حتى إعادة الانتشار)

ب‌- مواعيد إنجاز الانسحاب باليوم والساعة.

ت‌- التزامن الدقيق بين اطلاق الأسرى من الجانبين.

ث‌- ليس هناك أي إشارة الى معادلة التبادل للأسرى، فلا يوجد نص على عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم مقابل كل أسير إسرائيلي حي أو جثة لأسير إسرائيلي.

ج‌- من الضروري أن يراعي الطرف الفلسطيني أن ثمن الأسرى الإسرائيليين يجب أن يتباين بين الجندي والضابط الصغير والضابط الكبير( وهذا وقع في الحرب العالمية الثانية بين المتحاربين وليس بدعة )

رابعا: عدد الرهائن الإسرائيليين (الأحياء والجثث )هو 58 ، سيتم اطلاق 10 أحياء و 18 جثة خلال الشهرين المحددين لوقف اطلاق النار. وهناك ملاحظات تستحق التأمل في هذا الجانب مثل:

أ‌- إن عدد الأسرى الإسرائيليين الذي سيفرج عليهم في اليوم الأول هو 8، وهو رقم كبير للغاية ، وان مجموع من سيتم إطلاقهم في الشهرين هو 10 أحياء و18 جثة (أي 28، وهو ما يعادل 50% تقريبا من عدد الرهائن الأحياء والموتى)، وهذا فيه غُبن كبير ، ومن الضروري مراجعة معادلة التبادل ، وان يكون العدد اقل من ناحية وان يتم الإصرار مقابل الرقم الحالي على الانسحاب التدريجي بدلا من إعادة الانتشار لقبول هذا الرقم، ومن الأفضل أن يكون العدد الأقل ممن يطلق سراحه من أسراهم في بداية الاتفاق حتى مع الالتزام بالمراحل الخمسة المنصوص عليها في الاتفاق.

ب‌- جاء في النص " التزام أمريكي مصري قطري بمفاوضات جادة بهدف "إنهاء الحرب"، وهذه عبارات غير ملزمة، ناهيك عن أن مصر وقطر لا يملكان أي قوة الزامية على إسرائيل، لذا يجب أن تطلب المقاومة من الجزائر عرض الاتفاق على مجلس الأمن الدولي ويجري التصويت عليه لتضمنه القوى الكبرى دائمة العضوية.

ت‌- لعل من اغرب االنصوص هو النص على أن المساعدات " سيتم التوافق عليه خلال مدة الاتفاق ، وتكون كميات "كافية" دون تحديد ، ويتم التوزيع من خلال قنوات "يتفق عليها" منها الأمم المتحدة والهلال الأحمر. وهذا النص يخلو من تحديد الكميات، وترك قنوات نقلها وإيصالها للتفاوض ، وعليه يجب أن تصر المقاومة على تحديد الكميات اليومية ونوعية المساعدات الملحة اكثر من غيرها ، واقتصار آلية التوزيع والمراقبة على الأمم المتحدة، وان تشمل قنوات عبورها كافة المعابر.

ث‌- هناك أمور استراتيجية تركت بصياغات عامة للغاية، مثل " مناقشة ترتيبات أمنية طويلة الأمد"، وهو ما يعني احتمال مطالبة إسرائيل نزع سلاح المقاومة أو المطالبة بحقها في الرقابة على المعابر ...الخ. كذلك " يدعو الاتفاق الى التفاوض " على الوقف الدائم لإطلاق النار ، وليس هناك أي أفق زمني لإنجاز ذلك.

ج‌- نص الاتفاق على "امتناع حماس عن تنظيم مراسم متلفزة لتسليم الأسرى ، ويجب أن يكون لهذا المطلب الإسرائيلي ثمن مثل تقليص ساعات النشاطات العسكرية وزيادة ساعات امتناع الطيران الإسرائيلي عن الاستطلاع الى 15 ساعة (بدلا من 10) في الأيام العادية ، و20 ساعة في الأيام التي يتم فيها تسليم بعض الرهائن بدلا من 12.او المطالبة مقابل ذلك بزيادة آليات الإسعاف والجرافات المسموح لها بدخول القطاع لرفع الأنقاض.

أخيرا:

على المقاومة أن تعمل خلال التفاوض على تحديد دقيق لمعنى "كل كلمة" ، وان يكون ذلك ملحقا للاتفاق وجزء لا يتجزأ منه ، فكلمة مساعدات لا بد من تحديدها وتحديد كمياتها اليومية وطرق إيصالها وأولوياتها ومعايير تحديدها، وكذلك معنى إعادة الانتشار والانسحاب والاستطلاع وقواعد التبادل للأسرى .

على المفاوض الفلسطيني ان يستفيد من الخبرة التاريخية للتفاوض مع إسرائيل، وان يتنبه الى أن إسرائيل تعمل وفق القواعد التالية:

أ‌- تجزئة الموضوعات.

ب‌- تجزئة الزمن.

ت‌- تجزئة الأطراف .

أما دالة التفاوض فهي ذات بعدين :الأول هو العمل على : وقف دائم لإطلاق النار ، انسحاب تام من غزة ، فتح المعابر تمهيدا لوضع خطة عاجلة لإعادة الإعمار ،أما البعد الثاني فهو أن الثقة فيما يقوله نتنياهو أو ترامب أو الأطراف العربية يجب أن لا تتزحزح عن صفر%، أن موضوع الرهائن هو المرار الذي يغص حلق نتنياهو، ويريد أن يحصل عليهم بالخديعة بعد فشله في تخليصهم ، وفي حالة تحقيقه ذلك ، سيصبح متحررا من هذا الموضوع ليبدا بالتفكير في مرحلة إفراغ القطاع أو على الأقل تقليص سكانه بأكبر قدر ممكن، وسيماطل الى ابعد الحدود في تمرير مشروعات الإعمار ، وستسانده دول عربية مهما كان جرمه واضحا .....وبدون ربما.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات