سيناريوهات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803

بعد أن اقر مجلس الأمن الدولي قرار وقف الحرب في غزة يوم امس ، يصبح السؤال الملح الآن : الى أين تسير الأمور، وما هي الاحتمالات، وما هي النتائج ؟

دعوني أحاول رغم مئات المتغيرات، ورغم أن ما يجري في السر اكبر كثيرا مما يجري في العلن ...ورغم قصر الوقت المتاح للتفكير:

أولا: ينص القرار على إنشاء " قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة":

وطبقا لمفهوم "الاستقرار في غزة" فان الأمر سيسير نحو احتمالات نستعرضها تباعا :

أ‌- أن توافق المقاومة على نزع سلاحها وحل تنظيماتها العسكرية، وقد يترتب على ذلك :

1- احتمال نشوب خلافات بين تنظيمات المقاومة حول هذه النقطة او حول كيفية مواجهتها.

2- إذا وافقت المقاومة على التسليم ، ستقوم أجهزة السلطة التي سيتم تدريبها تحت إشراف مجلس ترامب للسلام باعتقالات وتشريد واغتيال لبعض رموز المقاومة ، او الضغط عليهم هم وعائلاتهم للبحث من مأوى خارج غزة.

3- احتمال أن تبدأ قوة الاستقرار الدولية في عمليات تفتيش واسعة برفقة المخابرات الأمريكية والمصرية والإسرائيلية بالتفتيش التام على كل عنصر واستجوابه للتعرف على مخازن السلاح السرية والأنفاق وطرق النقل السرية، وسيتم التركيز على الخبراء والمهندسين العسكريين...الخ.

ب‌- يلاحظ أن القرار لا يشير الى الضفة الغربية نهائيا ،رغم ان معدل عدم الاستقرار السياسي في الضفة الغربية بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية وهجمات المستوطنين هي طبقا لنماذج القياس الدولية 74.8% وهي ضمن اعلى 14 منطقة في العالم في عدم الاستقرار. وهذا الإغفال الواضح لعدم الاستقرار في الضفة الغربية يعني :

1- استمرار الاستيطان والاعتقالات والتضييق في الضفة الغربية دون أية مساءلة.

2- قد تعمل إسرائيل على انتزاع تعهد من تنظيمات المقاومة بوقف نشاطاتها في الضفة الغربية مقابل تيسير دخول المساعدات لغزة.

3- احتمال التركيز على غزة لخلق فصل تدريجي هادئ بين غزة والضفة لهدف محدد سأعود له بعد قليل.

ثانيا: إنشاء مجلس سلام: سيقوم ترامب ومن معه –طبقا للقرار- بتشكيل مجلس السلام ، ويبقى هذا المجلس هو من يتولى الإشراف الى حين " تُتم السلطة الفلسطينية برنامج إصلاحها على نحو مرض ، بما يمكنها من استعادة السيطرة على غزة بشكل آمن وفعال." ، وهنا يجب ربط هذه المسألة بالشروط الواردة في القرار حول "تعريف إتمام السلطة برنامج إصلاحها" ، فطبقا للقرار هذا يعني:

أ‌- تتعاون قوة الاستقرار مع شرطة فلسطينية "مُدقق في أفرادها"، والتدقيق يعني حرفيا " أن لا يكون أي فرد ممن له صلة باي شكل من الأشكال بالمقاومة، على غرار فرق الشرطة الفلسطينية في الضفة الغربية ولجان التنسيق الأمني، أي نسخ التنسيق الأمني في الضفة وتكراره في غزة...ويلاحظ أن المشرف الميداني على ذلك إسرائيل ومصر، وهو ما يعني أن أي اعتراض إسرائيلي على أي شخص هو اعتراض قانوني، وهو ما يعني "تشريد آلاف رجال الشرطة الفلسطينية والمخابرات الفلسطينية والدفاع المدني من أي عنصر سبق له وان ارتبط بأجهزة حماس المدنية أو الشرطية.

ب‌- يجب أن تكون قيادة قوة الاستقرار الدولية مقبولة من مجلس السلام" بالتعاون مع إسرائيل ومصر، أي أن من حق إسرائيل الاعتراض على أي طرف يشارك في القوة، ومن الأرجح أن تكون قوة الاستقرار من دول تناصب الحركات الإسلامية العداء الصريح ،ولها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل .

ت‌- إن مهمة الشرطة الفلسطينية بالتعاون مع مجلس السلام هي: الى جانب المهام التقليدية للشرطة:

1- نزع السلاح بكافة أشكاله بما فيها الفردي من كل أفراد المجتمع في غزة.

2- رعاية عمليات تدمير البنى التحتية للمقاومة من انفاق ومباني وخنادق وتحصينات ومصانع تسليح ومخازن ذخيرة ومكاتب وإدارات وصناديق تمويل....الخ.

ذلك يعني أن كل نفقات "اجتثاث "المقاومة ستتحملها بشريا وماديا دول مجلس السلام دون أن تتكلف إسرائيل أية نفقات أو أعباء.

ثالثا: استراتيجية إعادة الإعمار: طبقا لنصوص القرار ،فان السيناريو الأرجح هو:

أ‌- عدم تسليم أية مبالغ أو مواد لأية جهة كان لها صلة مباشرة أو غير مباشرة مع المقاومة .

ب‌- ستحدد إسرائيل أية مرافق أو مباني يتم إنشاؤها بانها " عسكرية أو غير عسكرية"، أي أن إسرائيل ستعيد هندسة الإعمار لغزة بكيفية يبقيها مفككة ومجزأة وبإدارات محلية .

ت‌- ستحاول إسرائيل الاعتراض على اكبر قدر ممكن من مواد الإعمار تحت ذرائع أمنية لتعطيل الإعمار لأطول فترة ممكنة لتشجيع فرص الهجرة الطوعية نظرا لقسوة الظروف.

رابعا: الانسحاب الإسرائيلي من القطاع: طبقا لنص القرار سيتم ما يلي:

أ‌- ربط الانسحاب الإسرائيلي بمحطات زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح ، أي أن إسرائيل باقية الى حين شعورها التام بان غزة " تم اجتثاث المقاومة منها تماما "، وهو امر يعني ان زمن الانسحاب بيد إسرائيل لا بيد أية جهة أخرى.

ب‌- يستثنى من الانسحاب الإسرائيلي "محيط امني" داخل القطاع الى حين تأمين غزة من أي" تهديد إرهابي "، وهو ما يعني:

1- منطقة عازلة –تحدد مساحتها إسرائيل-

2- هدف المنطقة العازلة التأمين من "أي تهديد إرهابي"، ومفهوم التأمين تحدده إسرائيل.

خامسا: لجنة فلسطينية تكنوقراطية تعمل تحت إشراف مجلس السلام ، وتنحصر مهمتها بالتحديد في الشأن اليومي لحياة المواطن الغزي.

الوجه الآخر للسيناريوهات:

من الضروري النظر الى الاحتمالات الأخرى في المشهد :

أولا: قضية حق تقرير المصير وإنشاء الدولة: لقد وضع القرار مرجعيات له هي خطة ترامب(العشرين نقطة) والبيان السعودي الفرنسي ، إضافة لما ورد في القرار، ولكن لا بد من التنبه الى:

أ‌- خطة ترامب لا تشير الى دولة فلسطينية لا تصريحا ولا تلميحا.

ب‌- البيان السعودي الفرنسي ،يشير للدولة الفلسطينية "على أساس قرارات الأمم المتحدة"، وهذا البيان تزامن تقريبا مع قرار الجمعية العامة بأغلبية 142 دولة لحل الدولتين في سبتمبر 2025.

ذلك يعني أننا أمام موقفين : احدهما ما ورد في قرار مجلس الأمن الأخير والذي ينص على " قد" يمهد لحق تقرير المصير ، بينما الثاني(الموقف الفرنسي السعودي ) يعتبرها أساسا ، ذلك يضعنا أمام سيناريوهات عدة:

1- السيناريو المتسارع: أي أن تتم عملية غزة طبقا لقرار مجلس الأمن بتسارع يجعل فكرة الانتقال لموضوع الدولة الفلسطينية مطروح على إسرائيل، وهنا ستجد إسرائيل أمامها ثلاثة سيناريوهات فرعية:

أ‌- القبول بحل الدولتين وهو ما يعني اضطراب إسرائيلي عميق قد يصل لحرب أهلية في ظل وجود ما يقارب ثلاثة أرباع المليون مستوطن في الضفة الغربية وسيطرة اليمين على السلطة.

ب‌- رفض إنشاء الدولة ومواجهة تعقيدات كثيرة مع المجتمع الدولي ، وتراهن إسرائيل على قدرتها على تحمل أعباء هذه المواجهة.

ت‌- تعطيل طرح موضوع الدولة من خلال إطالة أمد إنهاء الأمر في غزة عبر تعقيدات المساعدات والتشكيك في السلطة الفلسطينية والزعم بظهور خلايا مقاومة ..وكل الألاعيب المعروفة لإسرائيل، بهدف تقادم موضوع الدولة وطيه كما طوي غيره من المشروعات.

ث‌- السيناريو الأخير: هو أن تقبل إسرائيل بفكرة الدولة في غزة فقط ، وبهذا ستحاول امتصاص السخط الدولي من ناحية ،وتتجنب اضطرابها الداخلي من ناحية ثانية، وربما تسعى إسرائيل الى ترتيب هذا الأمر بكيفية تقترب فيها من "دولة الريفيرا "التي اقترحها ترامب.

فإذا رتبنا السيناريوهات الفرعية الأربعة السابقة، فان افضلها لإسرائيل هو الأخير ، بخاصة إذا تدعم هذا السيناريو بإحداث دولية كبرى تضع فلسطين في الظل مثل احتمالات نشوب نزاع حول تايوان، أو اتساع المواجهة الروسية الأوروبية امتدادا للازمة الأوكرانية ،أو نشوب مشكلات في الولايات المتحدة أو بين أمريكا ودول أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا أو المكسيك، ...الخ..

2- سيناريو التهجير: أي أن تعمل إسرائيل على تعقيد الظروف الحياتية في غزة عبر عرقلة واسعة ومتواصلة ومدروسة لإبقاء عسر الحياة اليومية للمواطن الغزي في أسوأ الظروف لتدفعه نحو الهجرة ،والبحث من وراء ستار عن دول تستقبلهم.. وبنفس الوتيرة فان تسارع الاستيطان ،وتدمير المزارع والبيوت واستمرار الاعتقال في الضفة الغربية ، مع تقليص المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية سيدفع الى نوع من الهجرة بقدر أو آخر ،وهو ما قد يشكل تعميقا لليأس بين الفلسطينيين .

3- أما السيناريو الثالث، فهو أن تتجدد أشكال المقاومة ،وتحدث تغيرات إقليمية لصالح المقاومة، مما سيجعل الضغط على إسرائيل اكثر لقبول فكرة الدولة الفلسطينية ، ورغم ضعف هذا السيناريو في ظل الحالة القائمة، لكن إسرائيل لا تستبعد من خياراتها "الجهة الخامسة" التي أولاها الجنرال مولتكة البروسي اهتمامه.

نعم انه أفق ضيق ،وملبد بالغيوم، و"ربما".

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات