تناقلت وكالات الأنباء واغلب الفضائيات ما تم وصفه بخطة ترامب لمعالجة موضوع الحرب في قطاع غزة ، وأود التوقف عند النقاط التي أجمعت اغلب الروايات عليها :
أولا: يجب أن لا تنسى المقاومة أن ترامب " كذاب ولا يرى في الكذب عيبا بل يراه شكلا من أشكال الذكاء"، أي انه لا يرى عيبا في النكوص عن أي وعد، ويمكن أن يعيد تفسير أي تعهد بشكل لا علاقة له بالمعنى الآني، ويمكن أن يفتعل أية حادثة ليبرر من خلالها أي سلوك غير منطقي أو مفاجئ يلجأ له، فالإعلام والخبراء في الولايات المتحدة مجمعون على وصفه بانه رجل " لا يمكن التنبؤ بسلوكه"(Unpredictable).
إن ما قرأته وتتبعته -وهو كم كبير- عن شخصية هذا الرئيس من كتابات كبار مستشاريه ومن أقاربه ومن تحليلات علماء النفس الأمريكيين والمتخصصين، ومن تعليقات الاعلام الأمريكي، تجعلني أقول بكل طمأنينة " هذا زعيم الكذابين جميعا"، لذا لا بد من الحذر الشديد جدا جدا في التعامل معه أو مع خططه.
ثانيا : بناء على ما سبق ، فان الخطة المعلنة من الكذاب، تتضمن الغاما دفنها هذا الكذاب في خطته ،ويكفي التنبه الى أن اهم شيء يسعى اليه ترامب وبشكل عاجل هو "الإفراج عن الرهائن"، وفي حالة تحقق ذلك ، فانه سيحول هذا الحدث الى مهرجان ضخم ، وقد يستضيف بعضهم، فنرجسيته المرضية ستجعله لا يفوت فرصة كهذه ، لذلك على المقاومة أن تكون واضحة في هذا الموضوع، وعليها أن تستغل لهفته على تحقيق الإنجازات :
أ- ربط نسبة المفرج عنهم من الرهائن بمساحة المناطق التي تنسحب منها القوات الإسرائيلية، فإذا كان العدد التقريبي للرهائن(أمواتا وأحياء) حوالي 48(أو ما يقرب من ذلك)، فان ذلك يعني ربط مساحات الانسحاب بعدد المفرج عنهم، وتحديد واضح لعدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم بالمقابل.(نسبة الذين يفرج عنهم تتساوى مع نسبة المساحة التي ينسحب منها وبشكل تام الجيش الإسرائيلي)
ب- أن تكون خطة المقاومة هي تنفيذ ما عليها من شروط-اطلاق الرهائن مثلا – بعد التنفيذ الإسرائيلي لا قبله ، أو بالتزامن ، أي بعد تنفيذ الانسحاب الجزئي يتم اطلاق العدد المقرر من الرهائن، ويكون البرنامج على أساس آخر رهينة مع آخر كيلومتر تنسحب منه إسرائيل، أما الإفراج التام مقابل وعود بالانسحاب التدريجي ،فهذا سيعيدنا الى لعبة أوسلو الغبية.
ت- تأخير الأحياء من العسكريين من ذوي الرتب الأعلى الى آخر مرحلة من التفاوض.
ثالثا: التعامل مع إسرائيل لا كما فعل أغبياء أوسلو، بل التدقيق في كل حرف وكلمة في نص الاتفاق ،وترجمة المفردات ومناقشة معانيها ومواعيد الالتزام بها، واستشارة رجال القانون ومن لهم خبرة التفاوض مع الإسرائيليين.
رابعا: بمجرد أن يتم الاتفاق على كل النقاط ، على المقاومة أن لا تبدأ التنفيذ إلا بعد يوم واحد من بدء دخول المساعدات ، وعلى المقاومة تحديد عدد الشاحنات، وكمية الحمولة، ونوعية المساعدات، وتحديد مصادرها، والتأكد من ضمان أماكن توزيعها.
خامسا: أن تعلن إسرائيل وقف الطلعات الجوية(طائرات الاستطلاع من المسيرات أو غيرها) وقفا تاما طيلة فترات دخول المساعدات وتوزيعها، ويمكن وضع برنامج واضح لذلك ليلا ونهارا. وهذا يستوجب الإصرار على:
أ- عدم تحديد فترة وقف اطلاق النار بشهر او شهرين، لان ذلك سيعود بنا الى ما يجري الآن.
ب- أن يكون النص"وقف دائم لإطلاق النار" وإرسال قوة دولية من الأمم المتحدة لمراقبة خروقات الوقف.
سادسا: أن لا تسلم المقاومة بسرعة لفكرة انسحابها من السلطة، ولا بد من مناكفة موضوع السلطة " المتنوعة عربيا ودوليا وفلسطينيا"، ويجب أن تفاوض المقاومة في هذه النقطة طويلا وبكل الشكوك التي تفرزها التجربة التاريخية، فمن المؤكد أن التكنوقراط الذي يتحدثون عنهم لن يكونوا إلا ممثلين لقوى التطبيع العربي، لذا على المقاومة أن تصر على أن يتم انتخابات بعد الانسحاب الإسرائيلي بشهر أو شهرين، وان تتعهد بانها لن ترشح أحدا من قادتها، لكن من الضروري العمل على دفع قيادات فلسطينية معروفة بنزاهتها ووطنيتها للترشح.
سابعا: إذا صح أن توني بلير سيكون هو "بريمير " فلسطين ، فعلى المقاومة أن "تحاول " المماطلة في ذلك ،ووضع شروط ذكية في حالة الإذعان لوجود بلير "كمفوض سامي".
ثامنا: أن ينص الاتفاق على أن تطبيق الخطة لقطاع غزة هي جزء لا يتجزأ من مشروع بناء الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس ، وهو ما يفترض أن تطلب المقاومة في هذا الجانب:
أ- إعلان إسرائيلي واضح بوضع برنامج لتفكيك المستوطنات تدريجيا .
ب- السماح بتشغيل مطار غزة وميناء غزة بأقصى سرعة ممكنة.
ت- أن تقتصر مراقبة معبر رفح على السلطات المصرية والسلطة الفلسطينية التي يتم تشكيلها ،مع مراقبين من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.
تاسعا: على المقاومة أن لا تصطدم بمصر أو قطر، ولكن عليها أن لا تثق في أي تعهد من هذين الطرفين لأنهما اعجز من القدرة على تنفيذ أي تعهد ترفضه أمريكا أو إسرائيل.
أخيرا، اعلم تمام المعرفة أن الوضع الذي تعيشه المقاومة معقد وصعب للغاية ، ولكن يجب أن تكون النتيجة بعد كل هذه الضحايا والدمار هي الحد الأدنى من الخسائر في المرحلة الأخيرة ، بخاصة أن الطرف الآخر ليس في نزهة ، ولديه لهفة للفكاك من أتون هذه المعركة، وإذا كان لدى بعض العرب بقية من "وعي" لا من الشرف، فان نتنياهو اعلن عن الموقد الجديد في إسرائيل الكبرى ، ولم يبق عليه إلا جمع الحطب...فماذا انتم فاعلون...ربما بحجم هملايا..