في أصل العسكريتاريا..

سبق وأن كتبت بأن جذور الانقلابات في بلاد العُرب تعود إلى استيراد النموذج التركي، نعم فأول انقلاب في الساحة العربية تم في العراق سنة 1936، وهو ما يعرف بانقلاب بكر صدقي، وبكر صدقي هذا، ضابط عراقي في العهد الملكي، تلقى تكوينه العسكري في إستانبول عندما كانت العراق تابعة للدولة العثمانية، وعمل في الجيش العثماني آنذاك وشاهد عن قرب الانقلابات العسكرية العثمانية بداية من 1908.

وتوالت الانقلابات بعد بكر صدقي وتسربت في الأربعينات من العراق إلى البلدان العربية المجاورة والبعيدة. ففي سوريا حدثت ثلاثة انقلابات في نفس العام 1949، في مارس وفي أوت وفي ديسمبر. وقد وقع أولها وهو أول انقلاب عسكري في سوريا، قاده حسني الزعيم الذي تلقى تكوينه العسكري في إستانبول، وتلاه في أوت 1949 انقلاب سامي الحناوي الذي درس هو أيضا في المدرسة العسكرية بإستانبول، ذلك يعني أن تركيا هي الجذر الأول لأولى الانقلابات العسكرية العربية ولحكم العسكر.

وأما الجذر الثاني فهو فرنسا، ليس لأن أديب الشيشكلي الذي قاد الانقلاب الثالث في ديسمبر 1949، كان متطوعا في ما كان يعرف بجيش المشرق التي كانت تسيطر به فرنسا على سوريا.

فرنسا فرضت الانتداب على سوريا بين 1920 و1946، وأوكلت حكمها المباشر إلى موظفين سامين يسمى الواحد منهم "المفوض السامي" الذي يقابل عندنا في تونس المقيم العام، أوائل المفوضين السامين وحتى آخرهم أيضا كانوا جنرالات في العسكر الفرنسي، وإلى جانبهم تحكّم في الإدارة موظفون ذوو تكوين عسكري ومخابراتي.

وقد أرسى ذلك تقليدا في الساحة السورية بعد استقلالها فلم تخرج من حكم العسكر والمخابرات، وهو ما استمر تحت حزب البعث الذي قام بأول انقلاب في 1963 تلاه انقلاب آخر عام 1966 وصولا إلى انقلاب الأسد عام 1970. وهو ما جعل البلاد تخضع لحكم العسكر والمخابرات خمسين عاما بعد ذلك، والطريف أن أحمد الشرع أيضا عسكري. مازالت سوريا تعاني ما زرعته فرنسا الاستعمارية.

والمشكل أن تجد من يبرر حكم العسكر، ويدعم الحكام العسكريين، ويصبح ذلك جزءا من الإيديولوجيا في حين أن جذور ذلك مستوردة من بيئات أخرى، تركيا العثمانية ثم فرنسا الاستعمارية. وأولئك أنفسهم تراهم في نفس الوقت يلعنون "الاحتلال التركي" و"الاستعمار الفرنسي"، في حين يتخذونهما نماذج للحكم العسكري.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات