ما يشبه السحر وليس سحرا، وإنما هي المنظومة..

قيس سعيد لا تجربة سياسية له، باستثناء المحاضرات التي كان يلقيها على منبر التجمع الدستوري المنحل قبل 2011، ولا يمكن أن تحصل له تجربة سياسية خلال حضوره المكثف والمتواتر في بلاتوهات القنوات التلفزية والإذاعية بعد 2011، وليست له بعد 25 عصا سحرية حتى تخضع له نقابات البوليس والصحافيين واتحادات الشغل والأعراف وحزب الإدارة الذي يتحكم فيه خريجو المدرسة القومية للإدارة، دون التذكير بالأحزاب التي كانت تنعت نفسها بالديمقراطية والثورية والحداثية، رغم أنه ضد وجود الأحزاب التي فات زمنها كما قال.

بطبيعة الحال لسنا بحاجة إلى التذكير هنا بالأدوار التي كانت تقوم بها كل تلك الأطراف خلال عشر سنوات. ولا يمكن أن ننسى مواقف وانتماءات قياداتها أو تموقعاتها الأسبق. فكيف خضعت له طوعا، هكذا، وعادت القنوات التلفزية والإذاعية إلى ما قبل 14 جانفي، بلغتها الخشبية، ولن تتكلم النقابة من الآن فصاعدا -هذا رهان- عن وجوب استشارتها في التسميات، مثلما لم يعد يهمها إن كان إعلاما حكوميا، ولا شأن لها -كما هو واضح- بحرية التعبير ولا النفاذ إلى المعلومة. انتهى دورها هكذا، سلمت في نضالات السنوات العشر.

على نفس الخطى، سارت بقية الأطراف التي بدا وكأنها تعبت من النضال. سمعا وطاعة لفخامته. رغم أنه لم يأبه لما عرضه عليه اتحاد الشغل مثلا منذ أشهر عديدة من حوار وطني في سبيل حلحلة الأزمة السياسية، ولا ما عرضه عليه مع أطراف أخرى منذ 25 من خريطة طريق، ولا تعلم جميعها بطبيعة الحال ما هو صانعه، المهم الآن أنها مع البقية في انسجام تام حوله.

وتحرك المضاربون ليتوفر الزيت المدعوم بعد أن قطعوه شهرين متتابعين، وزادوا بأن خفضوا في الأسعار، الحمد لله. وانفض المعتصمون في المناجم فعاد الفسفاط وعادت عرباته تسير على السكة. ولم نعد نسمع بانقطاع الماء ولا الكهرباء، وجمعية الدفاع عن المستهلك تستبشر وتبشر. وهكذا انخفض دفعة واحدة عدد موتى الكوفيد، ولم نعد نرى صورهم وهم مكدسون في بيت الموتى، ولا أطباء ينتحبون عجزا وقهرا.

البلد كان على كف عفريت، فإذا به تحرر من كل الأسواء في لمح البصر، كما لو أنه سحر، وما هو بسحر. وإنما المنظومة كانت ومازالت تتحرك بتنسيق بين مكوناتها. كانت تتحرك منذ 2011، وها هي تتلقى الأوامر لتهدئ اللعب الآن، والمرور إلى مرحلة جديدة، ولا يضيرها فكان أن أعلنت التأييد والخضوع لقيس سعيد فلا يجد إلا السمع والطاعة، وهي تعرف حدوده التي لا يمكن له أن يتخطاها، لعلها تحقق بيديه ما لا تستطيع تحقيقه بأيديها، وبعد ذلك لكل حادثة حديث.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات