عندما تعزف الجماهير عن الانتخابات في مصر..

Photo

حوالي 90% من الناخبين لم يشاركوا في الدور الأول للانتخابات البرلمانية في مصر. هذه النسبة المرتفعة تنزع أية شرعية عن البرلمان القادم، وعن النظام العسكري، وعن خريطة الطريق التي أعلنها السيسي قبل سنتين، كما تكشف عن زيف المشهد السياسي برمته. هذا هو حكم الشعب المصري مقابل حكم العسكر. هذه هي الديمقراطية (ديموس كراتوس). الشعب المصري العظيم يصدر حكمه على حكم العسكر. ولو خرج هؤلاء لوصلوا بالفعل إلى 33 مليونا وأكثر.

وعلى ضوء ذلك شن الإعلام المصري هجوما كاسحا على المقاطعين، لينعتهم بالخيانة، وأنهم ليسوا مواطنين أصلا، وأنهم خارج دائرة الوطن وخارج الدائرة الإنسانية حتى. والحقيقة أن هذا الإرهاب اللفظي يكشف عن أن العزوف الجماهيري عن الانتخابات كان تصويتا ضد الإعلام نفسه، إذ تبين بكل وضوح أن الحملات الإعلامية التي لم تنقطع طيلة ما يزيد عن السنتين في التسويق للنظام الانقلابي، كانت فاشلة تماما في التأثير على الرأي العام المصري.

وها هو الشعب المصري العظيم يوجه لأولئك الإعلاميين صفعة لم يتوقعوها بهذا الوقع. فما الفرق عند النظام أن يكون إلى جانبه مثل هذا الإعلام أو يكون بدون إعلام أصلا؟ بل لو انقلب الإعلام المصري على النظام العسكري، هل كان يمكنه أن يؤثر سلبا على الرأي العام بهذا الحجم أو تكون نسبة المقاطعة أكثر مما هي عليه الآن؟

إن الرسالة واضحة. من الآن فصاعدا لن يتمكن النظام العسكري من الإقناع باتساع قاعدته الجماهيرية ولا بما لديه من "تفويض شعبي" تبين من خلال الانتخابات نفسها أنه مفبرك أو أن الناس قد انفضوا من حوله، وانقضى الأمر. كذلك سيشعر الداعمون الإقليميون للنظام العسكري بأن دعمهم لنظام منزوع الشعبية ينتهي بأن يستهلك من صورتهم هم في مصر بالذات وخارجها أيضا. وأما الداعمون الدوليون فقد وفرت لهم الانتخابات فرصة لممارسة المزيد من الابتزاز والضغوط قصد الحصول من النظام العسكري على ما يريدون، وهو ما يعني أن مصر مقبلة -مع الأسف- على المزيد من الارتهان للقوى الدولية.

الأكيد من جهة أخرى أن العزوف عن الانتخابات بالنسبة التي سجلت في مصر تتضمن التعاطف مع ذوي الشهداء والسجناء والمنفيين، وكل المتضررين والضحايا، وهؤلاء ليسوا فقط من الإخوان، وإنما فيهم أيضا يساريون وليبراليون وأحرار، ممن كانت قد جمعتهم ثورة 25 يناير، قبل أن تتفرق بهم السبل، ثم تنتهي الآن إلى أن توحد بينهم السجون والمنافي من جديد. وهنا نتذكر كم من الدعوات قامت في التاريخ على المظلومية، واستطاعت أن تستثير عواطف الناس وتستميل قلوبهم. وفي قلب المشهد طفلة اسمها أسماء تسقط مضرجة في دمائها، والنيران تلتهم عشرات الشهداء في ميدان رابعة، والرصاص يجندل الطلبة في حرم الجامعة… وغيرها من الصور التي لا يمكن أن تغادر الذاكرة أو لا تكون ذات تأثير على عزوف الناخبين.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات