شهادات للتاريخ عن مؤرخ..

هو أستاذ التاريخ بالجامعة التونسي محمد الهادي الشريف (1932-2021)، وقد تولى عمادة كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية. كانت أطروحته حول حسين بن علي، ويعرف الجمهور كتابه "تاريخ تونس" الذي طبع العديد من المرات.

شهادة محمد ضيف الله

في السنة الجامعية 1987-1988 كنت أعد رسالة شهادة الكفاءة في البحث بكلية 9 أفريل التي كان هو عميدا لها. وقد قصدت مكتبه يوم 1 مارس 1988، لأعلمه بأن بوليسا كان يتتبعني بالأمس 29 فيفري، وأنه افتك مني وثائق البحث التي كنت قد استنسختها من مركز التوثيق الوطني، ظنا منه أنها مناشير سرية. على فكرة منذئذ أيقنت بأن الحرية التي تكلم عنها النظام النوفمبري كذبة.

أعود إلى سي حمادي فقد استمع إلي بانتباه. ثم قال لي: أستطيع أن أرفع السماعة وأخاطبهم، فيعيدون لك وثائقك، لكن من الأفضل أن لا أفعل، ولو فعلت لفرحوا كثيرا بذلك، لأنهم سيرون في ذلك استعدادا مني للتعاون معهم، فيطلبون مني ما لا يمكنني أن أسلمه لهم. فما عليك إلا أن تذهب من جديد إلى مركز التوثيق وتستنسخ ما أخذوه منك من وثائق، وإن لم يكن لديك مال أمدك بما تحتاجه. كان ذلك درسا لي في الحياة وفي التاريخ أيضا.

شهادة كمال الغزي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنسلفانيا الأمريكية:

غادرت السجن آخر السنة الجامعية 82 والتحقت بكلية الآداب حيث كنت أدرس منذ قبل السجن، إذ أن أخي حبيب قام بتسجيلي بطريقة ما وأنا بالسجن. استغرب سي حمادي وجودي لأول مرة بالقاعة، وكان يدرس شهادة الحركة الوطنية، فاستفسرني علنيا عن هويتي، قلت إنني كنت بالسجن بتهمة الانتماء إلى الاتجاه الإسلامي ولذلك لم يكن بإمكاني الحضور. سكت وانتظر حتى نهاية الحصة، ثم أشار إلي أن أتبعه إلى خارج القاعة وهناك اعتذر إلي لكونه استفسرني أمام الطلبة، ثم قال لي لا عليك إذا احتجت أية خدمة فلا تتحرج من الاتصال بي.

شهادة عادل الثابتي:

خلال السنة الجامعية 1985/1986 درّسني الدكتور الشريف تاريخ تونس الحديث في السنة الأولى تاريخ وجغرافيا وكان نعم الأستاذ علما وأخلاقا..

إلا أن تعمّق العلاقات بيننا كان خلال السنة الجامعة 1989/1990 عندما كان الدكتور الشريف عميدا لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس ( كلية 9أفريل) وكنت أنا كاتبا عاما لهيئة مؤسسة الاتحاد العام التونسي للطلبة بنفس الكلية، وكان الاحتكاك بينها كثيرا ، الجامعة كانت تغلي والاضرابات الطلابية ضد تدهور أوضاع الطلبة والعسكرة واهانة الجامعة الزيتونية كانت متواترة وبلغت أوجها خلال حركة 90 بالاعتصام في الكلية .

وللتاريخ، رغم اختلاف المرجعيات الفكرية واختلاف المقامات بين الطالب وأستاذته فقد كان سي حمادي شديد الترحاب بنا كلما قصدناه في طلب.

ويُسجَلُ في كتاب عطائه الناصع للجامعة والبلاد وقضايا الحرية رفضه تدخل الأمن لفض اعتصام كلية 9 أفريل ليلة 20 فيفري 1990 .

قبل ذلك بأيام قليلة وفر لنا عميدنا الراحل فضاء بالكلية لإجراء حوار حول الأزمة الجامعية جمع الاتحاد العام التونسي للطلبة أنا والأخت جميلة الشملالي والنقابة الأساسية للأساتذة الجامعيين للاتحاد العام التونسي للشغل (المرحوم أستاذي رؤوف حمزة والأساتذة عمر الشارني ونبيل قلالة وآمال الفخفاخ) والاتحاد العام لطلبة تونس- المكتب الفدرالي كاتبه العام رفيق لي يدرس معي في نفس الفصل من تيار الوطج.

حدثني سي حمادي خلال لقاءات عن كثير من القناعات والأفكار الشخصية عن خيبة أمله من مسار الاشتراكية في بلدان أوروبا الشرقية قبيل انهيار جدار برلين وقال لي خلال زيارته لألمانيا الشرقية تراءت له خيبة التجربة التي آمن بها.. وحقيقة أنا نفسي مؤمن بقيم الاشتراكية وتألمت لذلك.

باعد بيني وبين الدكتور نظام الحكم بتجنيدنا في صحراء رجيم معتوق ولكن الدكتور أرسل لي عبر زملائي في هيئة المؤسسة وأنا في جزيرة زمبرة حتى أنجز معه شهادة الكفاءة في البحث حول أواخر العهد البورقيبي وفعلا سجلت في الشهادة خلال السنة الجامعية 1990/1991 بعد أن تم الإفراج عنا، ولكن دخول تونس في مرحلة الاستبداد الحاد منذ ربيع 1991 حال دون استكمال المشروع..

في عام 2007 بعد عودتي مجددا للدراسة في كلية 9 أفريل التقيت بالدكتور الشريف ثانية على هامش حفل تكريم له ، سلمت عليه كان تفاعله عاديا .. ليس فيه حرارة لقاءاتنا السابقة ولا ابتسامته الرائعة... استغربت هل نسيني الدكتور ...هذا ليس من طباع الأساتذة الذين عرفتهم سابقا في الكلية وحتى زملائي الذين أصبحوا أساتذة كلهم رحّب بي بعد انقطاع دام 14 سنة ... صديق لي من أساتذة الجامعة وزميل سابق لي قال إن دكتورنا أصيب بمرض مزمن .

رحم الله الدكتور محمد الهادي الشريف رحمة واسعة وأسكنه فراديس الجنان..

أحر التعازي إلى عائلته .. وأصدقائه .. وزملائه وطلبته…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات