الجبهة الشعبوية.. تشريح أولي

بالمقارنة بين المواقف الأولية والمواقف الحالية من 25 يوليو، حدث تغيير بيّن، لكن دون أن يصل الأمر إلى تشكل جبهتين واضحتي المعالم محددتي الأهداف، إلا أن الجبهة الداعمة لقيس سعيّد، والتي يمكن تسميتها بالجبهة الشعبوية، تبدو أكثر وضوحا على الأقل بقدر ما سمح لها الإعلام بالظهور والتعبير. وقد سبق أن بينا مكونات هذه الجبهة الرئاسية: المنظومة القديمة والقوميون والوطد زائد التنسيقيات، مع الاستقواء ببعض مؤسسات الدولة من جهة ومن جهة أخرى بعض مكونات المجتمع المدني ومن بينها امتدادات تلك الأطراف في اتحاد الشغل.

هذه الجبهة الرئاسية جديرة بأن نفكك مكوناتها التي تتمثل في:

أولا-المنظومة القديمة،

وهي تشكل مركبا إداريا ماليا جهويا، مع ما له من أذرع للتغطية أو التجميل أو التمدد وفي مقدمتها شبكة التجمع الدستوري الديمقراطي وامتداداتها في الإعلام وفي المجتمع المدني، ثم حزب الإدارة من خلال خريجي المدرسة القومية/الوطنية للإدارة التي كان دخولها يخضع للفلترة من أجل ضمان السيطرة للحزب/التجمع الدستوري.

هذه المنظومة كانت قد فقدت رأسها في 14 جانفي، وكان كل همّها طوال السنوات العشر الماضية أن تصعّد رأسا جديدا جامعا لأطرافها، وجدته في الباجي في فترة ما، ثم راهنت على مرشحين لها في انتخابات 2019، ولكنها فشلت فغيرت استراتيجيتها لتصل في آخر الأمر إلى دعم قيس سعيّد وإسناده. نتبين هذا من خلال الأسماء الداعمة له من بين وزراء بن علي، الصادق شعبان نموذجا، وسائر النخب التي كانت تستفيد من النظام النوفمبري من مثقفين وجامعيين وإعلاميين وبروبغنديست، ولكم أن تراجعوا أسماء المساندين لبن علي سترونهم مع الانقلاب يا للصدفة، وصولا إلى أسفل الهرم من قوادة الشُّعب.

ثانيا-جملة من الأحزاب والتيارات

التي تظهر وكأنها وحدها جبهته السياسية، ولكنها ليست إلا جزءا فقط من تلك الجبهة. وهذه الجبهة تضم قوميين، والوطد، وبعض الشوائب الأخرى. هذه الأطراف هي التي تؤثث أغلب البرامج الإعلامية، ويدعي بعضها التواصل مع قصر قرطاج، دون أن يظهر ذلك من خلال نشاط رئيس الجمهورية. للتوثيق التاريخي، تتمثل هذه الأطراف تنظيميا في:

1- حركة الشعب،

وهي أكبر الأحزاب في حزام الرئيس، باعتبار عدد مقاعدها في البرلمان. وهي تشكل جبهة لثلاثة تيارات رئيسية، يتكون الأول من القادمين من حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي أحد الأحزاب الكرتونية في العهد النوفمبري، ويضم الثاني القادمين من منظمات المجتمع المدني كاتحاد الشغل والمحامين، ويتكون الثالث من القادمين من فضاءات أخرى جامعية وحقوقية وغيرها. وبدعمها اللامشروط وحتى التابع للحكم الفردي، تبدو حركة الشعب اليوم وكأنها تعود إلى أصولها الإيديولوجية والتي بدت خلال السنوات الفارطة وكأنها تجاوزتها من خلال تبني الخطاب الديمقراطي، ولعل ذلك يعود إلى تأثير التيار الأول الذي لعب دورا وظيفيا في دعم بن علي.

2-التيار الشعبي،

وهو حزب صغير ذو توجه قومي ناصري. كان ضمن الجبهة الشعبية ولا وجود له في البرلمان.

3-حركة البعث،

وهي أيضا حزب صغير، حتى أن عدد المشاركين في صفحته على الفيسبوك لا تتجاوز 5 آلاف.

4-حزب الوطد الموحد،

وهو أهم أحزاب الوطد، وهو حزب برلماني بمقعد وحيد يملأه النائب المجمد المنجي الرحوي.

5-الحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي،

وهو حزب صغير جدا يقدم على أنه ذو نزعة قومية، رغم أن بعض قيادييه ينحدرون من الوطد.

6-تونس إلى الأمام،

وهو حزب صغير جدا، يترأسه عبيد البريكي المنحدر من الوطد وعضو سابق بالمكتب التنفيذي لاتحاد الشغل.

7-التحالف من أجل تونس،

تأسس في مارس 2019، وقد تقدم للانتخابات التشريعية في 2019 دون الحصول على أي مقعد. رئيسه كان من ضمن حزب الوطني الحر لسليم الرياحي.

يمكن أن نضيف إلى تلك التكوينات عددا من الإعلاميين أو الكرونيكارات الذين ينحدرون من الوطد التاريخي، كما أن للوطد وللقوميين حضورا وازنا في المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل، ولهما بالتالي تأثير على مواقفه ومنها دعمه لانقلاب 25 يوليو.

وللتذكير كذلك أن قيادات من جيل التأسيس للوطد كانوا قد دعموا النظام النوفمبري وانضموا إلى التجمع الدستوري الديمقراطي مقابل بعض المواقع في الإعلام والإدارة، واستمروا على ذلك إلى ثورة 17-14.

ثالثا- التنسيقيات،

وهي التي تشكلت للقيام بالحملة الانتخابية لقيس سعيد، وقد كانت بالتأكيد حاضرة في احتجاجات يوم 25 جويلية، ومنها تمت بعض التعيينات الرئاسية في سلك الولاة والحكومة. وربما هم الذين يقصدهم الرئيس بتشريك الشباب في الحوار الوطني، بما يفسح لهم اعتراف الساحة بهم. الجامع بينهم أنهم أتباع قيس سعيد، وأما إيديولوجيا فالأكيد أنهم من آفاق مختلفة، من اليسار إلى اليمين إلى القوميين.

كما يمكن أن نضيف إلى ذلك ما يسمى بالحشد الشعبي، وهو تشكيلة مازالت فيما يبدو في الطور الجنيني يتولى أمانتها العامة أحد العناصر القذافية (قومي)، وهي ذات منزع ميليشياوي عنيف يؤكده اسمها المستمد من ميليشيا الحشد الشعبي بالعراق.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
صلاح الدين القاسمي
18/10/2021 16:40
ولكنها مكونات كرتونية لا يمكن ان تصمد أمام الهبة الشعبية لو أراد الشعب التونسي استرداد ثورته
صلاح الدين القاسمي
18/10/2021 16:40
ولكنها مكونات كرتونية لا يمكن ان تصمد أمام الهبة الشعبية لو أراد الشعب التونسي استرداد ثورته