لماذا يكرهوننا؟

عندما تجتمع خمس دول عظمى في موقف واحد فذلك يعكس شعورها بما أصبحت عليه الدولة العبرية من خطر وجودي، وبالفعل فقد سقطت دفعة واحدة أكثر من أسطورة، إحداها الموساد التي سوّقوا لها طويلا بأنها إحدى أكبر أجهزة المخابرات في العالم، كذلك أسطورة الجيش الذي كانوا يقولون إنه لا يُقهر، والقبة الحديدية نفسها كانت دون ما يقولون عنها. ضربة في العمق للمشروع الصهيوني برمته.

وإذ التقوا فإنما ليذكرونا بمسؤوليتهم المباشرة وبأدوارهم في تقسيم فلسطين وقيام الدولة العبرية، وفي المأساة الفلسطينية. عندما يهبّ الألمان في نجدة الاحتلال، فذلك كان بقدر تورّطهم كأمة، ولا يتعلق الأمر بمسؤولية النظام النازي وحده، وهاهم يصرون على أن يستمر الفلسطينيون في دفع ثمن جرائم النازية.

موقف بريطانيا يذكّرنا بوعد بلفور الذي قطعته لليهود عندما كانت تحتل فلسطين، وها هي تعلن عن إرسال بوارجها وطائراتها، وكأنها تواجه دولة عظمى. فرنسا كذلك تذكّر بتاريخها الاستعماري، سلوا الجزائر عنها، وتؤكد أنها تكون في الموعد كلما احتيج لها، مثلما فعلت في العدوان الثلاثي كقوة امبريالية، وتأتي إيطاليا متأخرا كعادتها لتستكمل العد والعدة.

وفي غضون ذلك تتصرف أمريكا كما لو أن طوفان الأقصى غمر إحدى ولاياتها الخمسين، وقد خرج بايدن للإعلام ولم يخرج رئيس الكيان نفسه، كما أن خروجه كان أكثر كثافة من المرات التي خرج فيها ناتن ياهو نفسه. وتحرك مجلس الأمن القومي، والبنتاغون، وتحركت حاملات الطائرات، وأقيم جسر جوي من العتاد والسلاح من نيويورك إلى تل أبيب. كما لو أن غزة تحولت إلى فيتنام. ولم يطرحوا على أنفسهم السؤال الذي سبق أن طرحوه: لماذا يكرهوننا؟

خمس قوى عظمى، بما لها من أوزان ثقيلة على جميع الأصعدة، تجتمع معا، فذلك يعكس إدراكها لقوة الزلزال الذي هز في الكيان الغاصب عمقه، نعم كانت لطوفان الأقصى كل هذه الارتدادات في خمس عواصم عالمية، وبقدر ما كان اجتماعها يهدف إلى طمأنة ذلك الكيان المرتبك، بقدر ما يكشف علاقتها العضوية به، ويؤكد في نفس الوقت الانتصار الذي حققته المقاومة.

والسؤال الأهم: أين القيم والمبادئ والحقوق التي كانوا يتكلمون عنها ويروّجون لها؟ أم أنها تصلح لهم ولا تصلح لغيرهم ممن اعتبرهم وزير الحرب الصهيوني حيوانات بشرية؟ ماذا يبقى منها في ظل النار الأمريكية التي تصب على رؤوس المدنيين في غزة؟ لماذا يكرهوننا؟ يتساءل الأطفال في غزة، ويتردد هذا السؤال من المحيط إلى الخليج إلى المحيط.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات