عندما يفقد الرئيس ظله..

ما هو أكيد أنها أهم استقالة في محيط رئيس الجمهورية، أهم من كل ما سبقها من استقالات كثيرة، وهو ما يكشف صعوبة العمل مع قيس سعيد من جهة، وأنه لا يعبأ بأن يبتعد عنه أقرب المقربين منه فيرميهم دون التفات. وتستمد هذه الاستقالة أهميتها من صاحبتها نادية عكاشة التي لم يتردد البعض في نعتها بحاكمة قرطاج، تذكيرا بعنوان كتاب نيكولا بو حول ليلى الطرابلسي، حتى صور البعض نفوذها بأنه يتفوق أحيانا على نفوذ قيس سعيد نفسه. وبالفعل فقد كانت تحضر إلى جانبه كل الاجتماعات لكأنها ظله الذي لا ينزوي.

ما هو أكيد أيضا أن هذه الاستقالة تكشف عن تصدّع كبير داخل منظومة 25، والأمر لا يتعلق بشخص المستقيلة لأن ابتعادها يعني اندحار شقها، مقابل الشق الباقي الذي بان بأنه أقوى نفوذا ويزداد نفوذه مع ابتعادها هي، وهو ما يعكس في جانب منه حالة من الصراع ما فوق الحدودي، بين من يقف وراء هذا وذاك. ومن الآن وصاعدا فالشق المنتصر يجد نفسه قد تخلص من أي حواجز أمام مغامرة أو خطوة لاحقة، دون أن يعني ذلك أن الشق الذي يبدو منحني الظهر قد ألقى بكل ما بين يديه.

ما هو أكيد أيضا أن عددا من أتباع عكاشة من المزروعين في الإعلام ومن المدونين والناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي يجدون أنفسهم فجأة بدون حاضنة أو مزود بالتوجيهات وبغيرها. وقد يخف تحمسهم في الأيام القادمة على الأقل قبل أن يعيدوا الانتشار، وتستحدث لهم قيادة جديدة.

غير ذلك، كل التحاليل التي قدمت منذ الاستقالة، سواء التي يدعي أصحابها امتلاك معلومات، أو استنادا على مصادر أو معارف، فإنها تبقى مجرد تخمينات. حيث لا تكشف الاستقالة أي معطيات، لا في النص الأول الموجه "إلى عناية رئيس الجمهورية" وورد فيها بأنها تتقدم باستقالتها "لاستحالة مواصلة عملي معكم في هذه الظروف"، هذه الظروف تبقى غامضة طالما لم تستعرضها، وفي النص الثاني الذي هو عبارة عن تدوينة كتبتها نادية عكاشة بصفحتها على الفيسبوك جاء فيها "لقد كان لي شرف العمل من أجل المصلحة العليا للوطن من موقعي..."وأنه " أمام وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلقة بهذه المصلحة الفضلى أرى من واجبي الانسحاب من منصبي كمديرة للديوان الرئاسي".

الأمر يتعلق إذن باختلافات جوهرية في وجهات النظر. دون تفصيل ولا توضيح وهو ما يعكس حجم الغموض الذي ما لبثت الرئاسة تتعامل به مع الإعلام ومع الرأي العام. وجاء قبول الاستقالة في تسع كلمات لا أكثر "ينهى تكليف السيدة نادية عكاشة بمهام مديرة الديوان الرئاسي". ومثل هذا يؤكد مرة أخرى أننا إزاء صندوق محكم الغلق، أو حتى لا نخرج من لغة الخطب الرئاسية هي "غرفة مظلمة" حقيقية. فرغم أن الاستقالة تهم الرأي العام، فلا نادية عكاشة تكلمت عن أسبابها، ولا يبدو أنها مستعدة للإجابة عن أسئلة الإعلاميين في أي محطة إذاعية أو قناة فضائية، ولا صفحة رئاسة الجمهورية وضحت الأمر. هكذا هم يتعاملون مع الشعب على أنه رعية لا يهم إطلاعها على الشأن العام. لكن الأكيد أن الاستقالة لها وقعها ولها تداعياتها، وقد تركت قيس سعيد بلا ظل.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
حمودة
27/01/2022 12:24
ربي ثبتك على الحق