مجانين ومجانين..

Photo

إن القراءة المتانية والعميقة لتاريخ الأحزاب والحركات السياسية عندنا، بما في ذلك الحزب الدستوري، وفي العالم، شرقا وغربا، تبين لنا أن فيها عقلاء ومجانين،

المسألة لا يدخل فيها تخطيط ولا هي من قبيل تقاسم الأدوار كما يظن البعض، ولكن هذا من طبيعة الأشياء، فالمنتمون للأحزاب لم يُعرضوا على قالب لقياس المنتمين، وكل واحد فيهم يأتي وهو حامل لشخصيته وبيئته وثقافته وانتمائه الاجتماعي الخ. ومثلما أن هناك تعددا في الحياة وتنوعا، يكون المنتمون إلى نفس الحزب من فئات مختلفة.

وعموما يمكن بيسر التمييز فيهم بين عقلاء لهم أوزانهم يكونون أكثر حضورا وتأثيرا، وهم من يعطون الصورة الأصلية ويرسمون الخط العام، وبين مجانين لهم قيمتهم وأوزانهم وتأثيرهم على طريقتهم.

وكل واحد وما يرضاه لنفسه من دور، يعود على الحزب، أو على البلاد، أو على نفسه، وهناك دائما من يراهن على مكانة داخل الحزب، ولا يتجاوز ذلك، ولو كانت تصفيقا حارا، أو نظرة إعجاب، وهناك من يراهن على لعب الدور الأول، حتى يكون المؤهل للتفاوض مع الآخرين، وهناك من لا يهمه من داخل الحزب إلا أن يتموقع على الساحة، وصولا إلى التموقع في التاريخ.

بطبيعة الحال يتراوح الأمر بين رهانات المجانين من جهة، ورهانات العقلاء من جهة أخرى. عادة المجانين لا ينتبهون إلا بعد فوات الفوات إلى أنهم لا يجنون من جنونهم إلا أشياء صغيرة أو لا شيء، وأما العقلاء فيستغلون جنون المجانين، حتى لكأنهم في آخر الأمر يسخّرون جميع من في الحزب لأنفسهم هم، وحتى لمجدهم الشخصي.

المجانين عندما يجد الجد ويستحقون الدعم، لا يجدون من يؤيدهم حتى من داخل أحزابهم، والعقلاء يتمتعون باعتبار ومصداقية حتى في الأحزاب المنافسة. بل أن اعتبارهم عقلاء يأتي تحديدا من رأي من ينافسهم، وليس ممن هو داخل حزبهم..

مناسبة هذه التدوينة، ما أراه اليوم في الأحزاب التونسية الناشطة والماثلة في المشهد السياسي، بحثا عن العقلاء فإذا بهم لا يكادون يظهرون، في حين يفرض المجانين قواعد اللعبة. حتى يكاد يكون عندنا فقط مجانين ومجانين..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات