باسم الشعب..

من يحق له التكلم باسم الشعب؟ هذا السؤال ليس جديدا وإنما يتجدد كلما تم التكلم باسم الشعب، في فترات تنامي الشعبوية والأنظمة الشمولية. ويبقى مطروحا بعد أن انتقلنا من مجرد الالتصاق بالشعب في تمنّي تمثيله إلى التكلم باسمه، إلى ظهور تشكيل أو تنظيم باسم "الحشد الشعبي" على الساحة التونسية بما يذكر بميليشات "الحشد الشعبي" في العراق، دون الوصول بعدُ إلى ما وصله الحشد في بلاد الرافدين من تسلح وترهيب وتقتيل خارج القانون وخارج الدولة. ودون أن يبقى الباب مُوصدا دون ذلك.

بالعودة إلى الأحداث، فالذين تظاهروا نهار 25 والذين خرجوا "يزمروا" ليلا، هل هم الشعب؟ الشعب هكذا كله، لا فواصل ولا فوارق اجتماعية ولا ثقافية ولا جيلية ولا غيرها، كلهم في قبضة واحدة. لا طبقات، ولا فئات ولا توجهات ولا شرائح اجتماعية ولا حتى جندر. انمحت كل الفوارق وغدوا على صعيد واحد. أي قدرة ميتافيزيقية هذه التي جمعتهم هكذا.

أم المقصود ما يسمى بالطبقات الشعبية، وهنا فهل ينتمي إليها أولئك الذين زمروا في سياراتهم؟ والذين ذكرونا بالذين زمروا ليلة هروب المخلوع؟ أهم من ذلك كيف احتسبوا أعدادهم؟ هل هم بالفعل 12 مليون تونسي؟ قطعا لا، هل هم 6 ملايين مثلا؟ قطعا لا، مئات الآلاف ربما، فكيف اعتبروا أنفسهم أو اعتبروهم هم الشعب؟ وماذا نسمي الملايين الذين لم يخرجوا؟ أم أن الأمر لا يتعلق بالأرقام وإنما الشعب هو من يكون معك، أوكي، وماذا نسمي من لم يخرج معك أو بقي ضدك؟ هؤلاء "أعداء الشعب"، كما قالت يستحقون أن يقع نفيهم "على بره"؟

بعيدا عن العنف والبروبغندا المكثفة، كيف يمكنك أن تقنع الآخرين بأن الشعب معك؟ أو بأنك تجسم الإدارة الشعبية؟ هل من خلال سبر الآراء مثلا؟ وهل هو أدق من صناديق الاقتراع؟ أم خشيتك أن الصندوق يمكن أن يفرز من تضعهم في خانة الخونة والعملاء وتعتبرهم أعداء الشعب طالما أنهم صوتوا ضدك؟ إن الذين أفرزهم الصندوق لا يستطيعون الادعاء بتمثيل الإرادة الشعبية، لأن آخرين لم ينتخبوهم.
كفوا عن الكلام باسم الشعب.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات