جغرافيا العرب غير جغرافيا الجيران

Photo

المسألة منهجية، لا يجوز في اللحظة الراهنة المقارنة بين العرب والإيرانيين أو بين العرب والأتراك، أو حتى بين العرب والأثيوبيين، لأن كل واحد من تلك الشعوب له دولته القومية بينما العرب عدة دول وأمم، من ذلك أن الكويت ذات الحجم المجهري تعرف نفسها على أنها أمة، وقس على ذلك البقية. ونحن بالتالي أمام سديم من الدول العربية التي تحرص على وضعياتها الراهنة وحدودها التي رسمها المستعمر القديم، وتحتمي بالقوى العظمى من أجل المحافظة على كياناتها الهزيلة. ولم تخرج عن ذلك حتى الدول العربية التي حكمتها أنظمة قومية مثل العراق وسوريا ومصر، إذ لم تستطع أن تكون وفية إلى شعاراتها في الوحدة، فلم تتجاوز هي أيضا حدود الدولة القطرية، ولم تنطفئ فيما بينها الصراعات والتنافس على قيادة العرب.

وفي هذا الإطار لا يوجد أكثر تعبيرا عن تلك الوضعية السريالية من الصراع الذي بقي محتدما بين العراق وسوريا رغم أنهما كانا تحت حكم نفس الحزب المسمى بحزب البعث العربي الاشتراكي. كذلك نعرف مصير الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا والتي لم تمر ثلاث سنوات حتى انحلت عراها على أيدي رافعي الشعارات القومية أنفسهم، وفي مقدمتهم حزب البعث السوري. بقية محاولات الوحدة في مختلف أشكالها لا تستحق التوقف عندها أصلا، فكيف نطلب من أي من العشرين دولة مجتمعة أو متفرقة أن تكون مثل تركيا أو إيران أو حتى أثيوبيا كما قلت؟

الخارطة العربية دولها مختلفة الأوزان والأحجام، ولا نستطيع أن نعتبرها ذات وزن واحد لمجرد توفرها على علم أو نشيد وطني أو وجود رئيس أو ملك. هناك دول لا يتجاوز عمرها بضعة عقود من السنوات بحيث تفتقد إلى أي أساس تاريخي، وعامل التاريخ أساسي لتكوين الدول والأمم. ليبيا مثلا لم يكن لها في أي يوم من تاريخها ما يمكنها من القيام بدور قيادي. حتى اسمها أطلق عليها خلال الاحتلال الإيطالي من قبل موسيليني عام 1934، الوحدة الليبية تعود إلى 1951، وفي هذه الحالة فهل من تأثير يمكن أن يكون للكتاب الأخضر أو للقب أمين القومية العربية. وإنما يبقى أن أكثر الدول استعدادا للدور القيادي تلك التي لها دور إشعاعي يعود إلى توفرها على عوامل اقتصادية وجغرافية وديمغرافية وتاريخية.

في الخارطة العربية كانت مصر مرشحة أكثر من غيرها لدور قيادي، ولكن نعرف السرداب الذي دخلته منذ اتفاقية كامب دافيد، ولم تستطع أن تخرج منه رغم محاولتها ذلك مع ثورة 25 يناير. كذلك العراق أيضا، لكن نعرف المصير الذي لقيه هذا البلد العظيم منذ حرب 91 ثم خاصة بعد الاحتلال الأمريكي الذي سلم العراق للمحتل الإيراني.

وفي المغرب العربي تتوفر الجزائر على كل العوامل القيادية إلا أن موقعها الهامشي في الوطن العربي حد من أهمية تلك الإمكانيات بما حال دون القيام بدور مثيل حتى في الإطار المغاربي. بقيت السعودية رغم ضعفها الديمغرافي والذي استطاعت أن تعوضه باحتوائها على الأماكن المقدسة، لكن نعرف تسليم أمرها للغرب من جهة ومن جهة أخرى حالة الصراع مع إيران.

وبالتالي فأن نطلب من أي دولة عربية بمفردها أن تكون في مستوى القوى الإقليمية المجاورة للخارطة العربية هو طلب خاطئ تماما. والخطأ الأكبر أن نبني على النتيجة التي نصل إليها نتائج تفضي إلى دعوة العرب، تحت أية يافطة كانت، إلى قبول الهيمنة عليهم من قبل تلك القوى الإقليمية أو حتى احتلالها لهم. ونعرف أن الاحتلالات لم تفض أبدا إلى تقدم ولا إلى نهضة الشعوب المستولى عليها، ولم تستطع ذلك حتى بعد تحررها.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات