"الباسيج" هو الخطر الداهم

لا يجب ان نطلب- ولا حتى ان نأمل- في ان تنتبه الحوزات الحزبية الي خطورة المصطلحات التي يستعملها قيس سعيد. هذه الاحزاب الفكاهية، والمليئة بالغوغائية، لا يمكن ان نطلب منها ان تستشرف شيئا. هي مجرد الات ميكانيكية عمياء للتخريب، لو كان بإمكانها ان تستشرف شيئا لاستشرفت انها كانت تحفر قبرها طيلة عشر سنوات. لذلك فهذا النص موجه للأفراد الذين يئسوا من الاحزاب الموجودة، ولكنهم ايضا يرفضون الانقلاب و الشعبوية القادمة.

المصطلحات التي يستعملها قيس سعيد من قبيل "الفيروسات" "والاوبئة" و"الخلايا السرطانية" هي مقدمات للتصفية الشاملة. من يُمنّي النفس بان المقصود بهذه المصلحات هو فقط غريمه الايديولوجي هو مجرد كائن فكاهي، ولا يعرف ماذا فعلت الفاشيات الشعبوية مع كل الاحزاب. قبل الوقوف على ابعاد هذه المصطلحات ومعرفة مآلاتها علينا النظر في ماهية الشعبوية.

يحدد "روزانفالون" خمس ركائز للشعبوية:

-الاشتغال على الانفعالات والاهواء، واقوى الانفعالات هو الخوف والكره. يثير الشعبوي دوما انفعال الخوف على المستقبل، او الخوف على الدولة، او الخوف من عدو كامن وخفي، وعادة ما لا يحدد القائد الشعبوي مصدر هذا الخطر بدقة حتى يحافظ على جذوة الخوف وحتى يتم تصريفه نحو عدو جديد كلما تخلص من عدو قديم. ان الخطر الشعبوي لا يجب تحديده. وكذلك انفعال الكره، انه سائل وغير محدد، يتحول بتحول مصدر الخطر، وتحديد هذا من مشمولات القائد الشعبوي.

- التأكيد على تصور معيّن "للمجتمع" يقوم على اقلية فاسدة وخطيرة ومعادية "للاغلبية" التي هي "الشعب" الذي يعبر عن مصالحه القائد الشعبوي.

- المماهاة بين "القائد" و"الشعب"، وبالتالي ما اراده القائد هو ما اراده الشعب، وهو مايعني ان الشعبوية تنطلق من نظرة "جماعية" ترفض تقسيم المجتمع الي طبقات اوجهات او قطاعات، انه وِحدة يعبر عنها القائد. لهذا السبب سحق موسيليني اليسار الايطالي،ولهذا السبب سحق "القادة" الاحزاب.

-نقد عنيف للأجسام الوسيطة (الاحزاب- النقابات- الجمعيات- البرلمانات)، واعتبار ان "الشعب" يمارس-عبر القائد- ارادته بشكل مباشر.

-فكرة "الخلاص النهائي" والهدف الجماعي السامي، لذلك للشعبوية ولع مرضي ب"الجديد" وال"التاريخي" و"البطولة" و"التحدي". ان كل من لايدخل ضمن مشروع الخلاص هو عدو للشعب، ويجب تصفيته، وان خطاب "الصراصير" و"الكلاب الضالة" و"الفيروسات" و"الخلايا السرطانية" مقدمة لعملية الترهيب والتصفية.

"الباسيج" و"الفيروسات"

استعملت الفاشية في بدايات القرن العشرين مصطلحات مأخوذة من علم الحدائق لوصم اعداءها: "النباتات الطفيلية" و"الاعشاب الضارة"، ولكي تكون الحديقة جميلة ومنظمة يجب اقتلاع النباتات الضارة. استعملت هذا الوصم ضد اليهود ثم ضد الشيوعيين والنقابيين وضد الاحزاب الليبرالية (انظر باومنت "الحداثة والهولوكوست). اليوم تستعمل عبارات تستند الي الخوف المعاصر: الفيروسات.وسوف يستند "الباسيج" لهذه الاستعارات لتبرير التصفية.العقلية الفاشية هي عقلية تطهيرية" سنخلص تونس من كل الادران".الاوساخ-هنا- في صيغة الجمع: كل من يعارض القائد هو اوساخ.

"الباسيج" هي منظمة من المتطوعين انشاها الخميني سنة 1979، تتكون من المخلصين، ومهمتهم حماية الثورة الايرانية والدفاع عن النظام السياسي. في الحقيقة تعود الفكرة الي محمد رضا بهلوي الذي اسس "الراستاخير" وهي مجموعات شبابية مهتها توطيد نظام حكمه والتغلغل في مفاصل الدولة. بعد انتهاء الحرب الايرانية العراقية اصبح موكول للباسيج مهمة قمع الاحتجاجات المعارضة للنظام الايراني، وقمع السلوكات المنافية للأخلاق الاسلامية. يخضع "الباسيج" مباشرة لمرشد الثورة الايرانية.

لا اعتقد ابدا ان ما يدور في ذهن صاحب "المشروع الجديد" و"الفكر الجديد" شيئا بعيدا عن هذا. سيتحول "الشّابّاب" الي تنظيم له تنسيقيات محلية وجهوية ومركزية، وسوف يقع تمكينه من المعتمديات والولايات والبلديات، وسوف نرى وطأته وفعله على الارض في اول انتخابات/اخر انتخابات، وسوف يسعى باية وسيلة الي اقصاء المرشحين المنسوبين على احزاب، وكذلك الامر بالنسبة الي المرشحين المستقلين المعارضين للانقلاب. ولا يجب ان نكون على سذاجة بحيث نتوقع تدخل هيئة الانتخابات او الامن اوالجيش. سندخل فعلا مرحلة جديدة هي مرحلة الباسيج والمرشد الاعلى.

ان المجموعات الغوغائية التي انقضّت على سناء بن عاشور وعلى حمة الهمامي وعلى محمد نجيب الشابي وعياض بن عاشور، سوف تنقضّ على مخالفيها بواسطة العنف المادي. الغوغائية الشعبوية لا تقبل ابدا بالاختلاف ولا تسمح بالمنافسة.

* للتعمق في تعريف الشعباوية واستثمارها للانفعالات :

P.Rosanvallon " le populisme qui vient"

فيما يخص عبارات" الفيروسات" كاستراتيجية فاشية" ز. باومنت" الحداثة والهولوكوست"

ملاحظة: ليس لي أي موقف طائفي، "الباسيج" هو مثال/نموذج.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات