اعترافات

اهداء الي زهير جويني-

اعتقد انه لدي مقدارا ضئيلا من الشجاعة يجعلني اعترف بما يلي: اعترف انهم " عدوها عليّ" لسنوات.. كنا " نيّة ربي" ولا نرى من الاشياء الا السطح، ونصدّق ما نسمع من اخبار وكأنَّ العالم " جامع".. من 15 نوفمبر حتى ما بعد 14 جانفي كنت ملازما لرجل فذ وعقل جبار، عاصر كل الاحداث والثورات والانقلابات ويحفظ شخوصها واحداثها وخزعبلاتها.. هو الاستاذ زهير جويني اظنه اصغر من ابي بقليل، كان عضو النقابة العامة للأساتذة وعالم بخبايا الاتحاد.. كان يكلمني ويعاملني كابنه.. كم اشتقت الي سخريته مني حين يغضب " تي حل مُخّك، افهم!"

انفجرت الاحداث وهرب بن علي.. وحدثت " غرائب" لم اكن افهمها.. انسحبت الداخلية وتركت الشوراع للعصابات.. وكنت استفسره في كل مرة. قال ساخرا " تلك احد تقنيات الانظمة.. يجب اطلاق المجرمين حتى يطلب الناس الامن".. هروب السجناء.. حرق المنازل والاغتصابات؟ فيقول " غير صحيح.. اكاذيب قناة حبعل حتى يطلب الناس الامن".. حرق الزوايا.. حرق المحاصيل.. حرق الجبال؟ شكون عملها؟ فيقول " هُم"، شكون " هم؟ ماهو بن علي هرب؟" .. يسخر مني ويبتسم. لا يجب ان تُعاملوني بما نعرفه الان، ضعوا انفسكم في الاشهر الاولى من الثورة.

كنت اقول له " الخوانجية.. والقوميين..." فيقول لي " رد بالك، موش هاكي المشكلة.. منوال التنمية، التبعية، الهيمنة الفرنسية"، عقل جبار، يغوص في القضايا كسكين حاد، يشرّحها ويحللها ويفككها بمنهجية وسلاسة عجيبة، يُبيّن لك المُختلف في المؤتلف، والواحد في المختلف.

الانتخابات.. ذبح الجنود.. الاضرابات.. الاغتيالات.. بدأ عقلي يطرح علي الغازا.. وكان يجيبني" يا ولدي راهو منوال التنمية في الميزان"، منوال التنمية؟ فيحدثني عن الثروة ومن يسيطر عليها والمناصب ومن يحتكرها ودور الاتحاد التاريخي ومقابل ذلك من امتيازات..

من اراد ان يعرف " ڤداش كنت ضايع فيها" فليعد الي ماكنت ادونه من 2011 الي 2013.. في 2013 غادرت " عم زهير" اصبحت بعيدا عنه في المكان، ولكن بعد ان ذلل لي مغالق تونس: بعد الاستقلال وقع عقد استعماري: السلطة مقابل المحافظة على نفوذ فرنسا. مكونات السلطة هي: ذراع جهوي/ مالي/ امني، بالاستعانة بقوى وظيفية: الاتحاد/ الاعلام. الجهوي: تحالف ساحلي/ بلدي، المالي: عاىلات اعطاها بورقيبة رخص احتكار القطاع الحساسة والمُربحة. الامني: كبار الضباط من مناطق معينة. الاتحاد: حليف يُروضُ بالامتيازات ويُضرَبُ ان عصا. الاعلام الخاص: في عهد بن علي بروباڤندا مقابل تسهيلات وامتيازات.. كل هذا مربوط بفرنسا: السلطة مقابل النفوذ الاقتصادي والثقافي.

تلك هي القصة باختصار: ثروات ونهب وامتيازات ومواقع ونفوذ وسلطة، وفي سبيل الحفاظ عن ذلك لابد من تحالف المستفيدين واستعمال كل الوسائل: من الحرق الي الاكاذيب. 11 سنة من الافلام والدعايات والاكاذيب كانت كافية ليعرف المرء ان العركة حول " هبرة اللحم التونسي". اضف الي ذلك العديد من القراءات: الثورات المضادة واحابيلها، الصراع حول تونس، الفلسفة الديكولونيالية (افادتني كثيرا خاصة ا. سعيد وسبيفاك و ف. فانون ور. غوها و ب. بادي) والكثير من التاريخ الاستعماري.

11 عام من الاكاذيب ويحبوني نبقى كالبرشني نخدم - بلا وعي- عند طبقة وظيفية اختلقها من يسيطرون على تونس في الداخل والخارج. 11 عام من الاكاذيب ويحبوني نصدق ما يصدقون واكذب ما يكذبون واعادي من يعادون.

انا خُلِقتُ كي احتجّ وكي افكر بحرية واريد ان اموت كذلك. خلقت كي لا ارغب ولا ارهب ومن منحني شيئا فليسلبه مني.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات