البَهَمُوت-

"البهموت" هو احد كُتُب توماس هوبس، ورغم اهميته الكبرى الا انه بقي مغمورا، وذلك ربما للشهرة الكبيرة لكتاب "التنين". وقع هوبس على لفظ "البهموت" في التوراة، وهي بهيمة اسطورية عظمى كانت تُهيمن على عالم الفوضى قبل عملية الخلق. اللفظ عبري ومُفرد، وهو نفسه بالعربية، اما الاسطورة القائلة بوجود بهائم قبل الخلق فهي بابلية. ما اضافته العبرانية هو فقط القول بان بهيمة البهموت سوف تُذبَحُ وتكون عشاء المؤمنين في حفلة نهاية العالم.

ما علاقة هذا بهوبس حتى يُطلقَ "البهموت" عنوانا لاحد كتبه؟ عاش هوبس حربا اهلية قاسية وطاحنة في انجلترا، حالة مريرة من الفوضى والصراع قال عنها هوبس "لقد كانت مسرحا لكل مظاهر التوحش واللاعدالة والجنون التي يمكن ان يحتويها العالم". لهذا يمكن ان يأخذ "البهموت" عند هوبس ثلاثة معانِ:

الفترة الزمنية الحالكة والتي يغيب فيها التعايش البشري المُنظّم بالقوانين التي تسهر الدولة على تطبيقها: عصر البهموت. وثانيا البهموت بمعنى رهط من البشر لا يخضع للعقل وانما للاهواء والشهوات والاحقاد وهو ما يؤدي الي الحرب الاهلية المُعمّمة.

انه لأمر كهذا دشّن هوبس تقليدا فلسفيا سوف يأخذ به كل من ديكارت وسبينوزا وروسو وهو دراسة الانفعالات البشرية بوصفها اساس "البهموت". يُعرّف هوبس الانسان بوصفه رغبة، والرغبة هي جُهد (كوناتوس) الكائن الحي ليبقى في الوجود، ويتفرّع الجهد الي خمس انفعالات: الشهوة والنفور، واللذة والالم، والحب والكراهية.

هذه الانفعالات في عصر البهموت هي ما يدفع البهموت في سباق محموم نحو التطاحن العام. هناك حالة مأساوية يعيشها "البهموت": لا يستطيع (لغياب العقل) ان يضمن بقاءه الا بإطلاق العِنان للجُهد ، ولكن مَقتَله في اسباب حياته، لان الكوناتوس يؤدي الي الحرب. هناك معنى ثالث للبهموت نجده في الفصل الاول من الكتاب: البهموت هم العناصر السياسية والدينية المتصارعة في انجلترا بين سنة 1640 و 1662 اي اتباع البابا في روما واتباع الكنيسة المشيخية في انجلترا والمستقلون ومراكز التجارة في لندن والبروتستان.

ماذا يمكن ان نستفيد من "البهموت" ككتاب؟ اولا ، ان طريق النهوض طويل وشاق، وثانيا لا يمكن ان يكون هناك نهوض الا بعد تجاوز الصراع الداخلي عبر عقد اجتماعي يلتزم فيه الجميع بقواعد اللعبة السياسية، ثالثا ان اكبر اعداء الشعوب هم الموتورين الذين يضعون خنجرا في ايدي الجهلة وينفخون في نار الصراعات.

في كتاب "المواطن" وكذلك في "عناصر القانون الطبيعي والسياسي" تحدث هوبس عن شروط الخروج من الصراع وتأسيس السلم والازدهار: انتصار العقل على الكوناتوس، والعقد الاجتماعي وطاعة القوانين والتعايش. ليس من الصدفة ان تكون اكثر الشعوب قوة وتطورا هي الشعوب التي عانت لكي تصل الي الديمقراطية والمؤسسات الراسخة وتقديس القانون. لقد وقع استبعاد الفرد والرغبة والاهواء، كما ساهم العقد في القضاء على اسباب الصراع. حينها يُذبح البهموت ويكون عشاء الديمقراطيين في حفلة نهاية الصراع، نهاية العالم القديم، عالم الظلام، والصراع، والفقر، والتخلف.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات