هل تكون حكومة الفخفاخ هي حكومة إنقاذ تونس؟

Photo

إلياس الفخفاخ رئيس حكومة تونس القادم.. هكذا أعلن الرئيس وهكذا ارتضت الأحزاب بعد أن تنازعت ففشلت فأوكلت للرئيس المهمة. اختيار الرئيس بث روحا متفائلة في صفوف أنصار الثورة والتغيير، بينما بدت علامات البؤس على وجوه كثيرة، منها بالخصوص وجوه إعلامية قضت السنوات التسع للثورة ترذل الثورة وتنوح على نظام ابن علي الفاشي.

للفخفاخ ميزات يمكن الاستبشار بها، ولكن أمام الفخفاخ طريق طويلة ومعقدة وعلى كتفيه انتظارات التونسيين وهي كثيرة، فهل يفلح فتخرج تونس به ومعه من أزمتها؟

من هو الفخفاخ؟

هو أحد أبناء الثورة الذي يترحم على الشهداء. وهو من مواليد السبعينيات (1972) الذين يدخلون مواقع الصف الأول من قيادات البلد. وهو من خريجي المدارس التونسية، لكنه لم يعش صراعات الجامعة التونسية المغرقة في الإسلاموفوبيا. وهو من أبناء الأسر المتوسطة من سكان الأحياء المتوسطة والأقرب إلى الشعبية.. ملامح غير بعيدة عن ملامح رئيس الدولة الذي اختاره. إنها عملية تشبيب واعتماد على منتوج التعليم المحلي واقتراب من الطبقات والجهات التي عانت الحرمان من السلطة دوما.

هذه عناصر مهمة في تحديد ملمحه السياسي، وفي توقع السياسات التي سيميل الفخفاخ إليها. وقد كانت له تجربة مع حكومة الترويكا (2012-2014) تسمح بتوقع ميله إلى اليسار الاجتماعي، أو وسط اليسار. واختيار فريقه سيكون محددا في توجهه القادم، ولكننا نرجح أنه سيستعيد أفكار ومشاريع حزب التكتل الذي انتمى إليه بعد الثورة ولم يغادره رغم أنه حزب تضاءل حتى لم يفز بأي مقعد نيابي.. حزب يسار وسط يستعيد بعضا من تجربة أحمد بن صالح (الستينيات) الاجتماعية والاقتصادية.

ليس على الرجل في ما نعلم مؤاخذات من قبيل العلاقة مع الفساد ولوبياته. وهو قليل الظهور الإعلامي قليل الهذر ومتحفظ، لذلك لم يهتك الإعلام أسراره. وقد ظهر بصورة الخبير الاقتصادي الذي يحسن الدفاع عن فكرته بالأرقام، وقد قدم أثناء ترشحه لرئاسة الجمهورية أفكارا متحررة من الصورة النمطية لمثقفي الطبقة الوسطى التونسية.

ما الذي عليه فعله؟

مهام الفخفاخ وحكومته كثيرة والجميع ينتظر الإنجاز، بل ينتظر معجزات حكم. فالفساد خرب الدولة فعلا، والوضع الأمني يشهد تفشيا مخيفا للجريمة، أما في الجانب الاجتماعي فمؤشرات البطالة في صعود، ووزن العملة الوطنية منهار أمام العملات الأجنبية، لذلك فالميزان التجاري مقلوب مع أغلب الشركاء.

من أين سيبدأ الرجل العمل؟ ننتظر ونرى ولكننا نرى بعد أن النوايا الحسنة والحكمة وحسن الإدارة سيصطدم بسرعة مع النقابات التي نراها تحمي الفساد وتعيش منه، خاصة في مؤسسات القطاع العام. لقد انتزعت النقابات امتيازات كثيرة كانت سببا في إضعاف ميزانية الدولة (مضاعفة كتلة الأجور) وإحدى أدوات إصلاح الميزانية (وهي من اختصاصه) هي تخفيض حجم كتلة الأجور في القطاع العام، وهنا سيقع الصدام الأول مع النقابات. ويعرف الفخفاخ أنها بداية الإصلاح ستكون بتحسين أداء المؤسسات العمومية الاقتصادية والإدارية (وهو من المدافعين عن القطاع العام)، ومن لم يبدأ من هناك لن يجد بداية الطريق. لذلك توجد نقطة بداية قبل البداية هي إلزام النقابات بهدنة اجتماعية لمدة خمس سنوات. هل ستقف الأحزاب التي رشحت الفخفاخ (وستزكي حكومته مرغمة) معه في معركته مع النقابة؟ هذا يؤدي بنا إلى طرح السؤال الموالي:

ما الذي على الآخرين تقديمه للفخفاخ؟

يتحدث السياسيون عن الحزام السياسي لإسناد الحكومة، ويقصرون معناه على التزكية البرلمانية، ولكن الفخفاخ سيحتاج وسيطلب من حزامه السياسي أكثر من ذلك. فالمطلوب هو الإسناد القانوني في مجال التشريعات السريعة الموجهة خاصة لإصلاح الإدارة التونسية؛ ذلك الفيل السمين الراقد في طريق كل إصلاح فعال.. سيطلب موقفا سياسيا في الشارع ضد تغول النقابات. لقد استولت النقابات على جزء كبير من سلطة ليست لها في الأصل، وإعادتها إلى حجمها وموقعها يقتضي وقفة سياسية حازمة من حزام الحكومة السياسي، ولا مجال فيها للمزايدة أو التودد للنقابة من وراء حجاب.

الحقيقة أننا لا نرى لدى الطبقة السياسية بكل مكوناتها شجاعة كافية لتقف في وجه النقابة المتغوّلة على القرار السياسي بغير وجه من قانون أو منطق، بل إن كثيرا من الحزيبات دخلت البرلمان بإسناد نقابي، وسيعسر عليها التفصل من علاقتها بالنقابة لإسناد الحكومة. الانفلات النقابي للسنوات الماضية سيواجهه الفخفاخ وحده. وهنا سيكون انتصاره الباهر أو هزيمته الماحقة، ليلتحق بصف رؤساء الحكومات الذين كسرتهم النقابة، بدءا من حمادي الجبالي وصولا إلى يوسف الشاهد.

هذه معركة تونس الحقيقية، وهي في تقديري أكبر من معركتها مع الإرهاب الذي انهزم أمام جيش وطني فلم يعد يؤثر على مجريات العمل السياسي. لحظة الشجاعة تلك هي ما يحتاجه أي رئيس حكومة يتولى أمر البلد في السنوات القادمة.. إنه تعديل توزيع السلطات طبقا للقانون الذي تجاوزته النقابات.

هل نتفاءل بالمستقبل مع الفخفاخ؟

لقد تشاءمنا بما فيه الكفاية، بل وصلنا إلى درك أسفل من الإحباط لما عاينّاه من اضطراب السياسيين وانشغالهم بصراعات بينية بخلفيات أيديولوجية استئصالية كانت وراء إسقاط حكومة الجملي المقترحة من حزب النهضة. ونظن بالفخفاخ خيرا لجهة تعاليه على المعركة الاستئصالية (تجربة الترويكا كانت درسا في التعايش السياسي بين مختلفين)، فإذا أفلح فعلا في تجنبها فإنه سيجنب حكومته والبلد الكثير من الطاقات المهدرة، ويوجه فعل الأحزاب إلى التنمية بعيدا عن المعارك الهووية المزيفة.

لدى الفخفاخ شهر طبقا للدستور ليعلن حكومته ويقدمها للبرلمان للمصادقة، وهو الآن في موقع قوة بإسناد رئاسي وبإسناد حزبي يضمن لحكومته المرور. فسقوطها يعني العودة إلى الشعب صاحب السيادة (كما يطيب للرئيس نعته) في انتخابات جديدة. وتعرف الأحزاب وكثير من النواب الناجين بأكبر البقايا أنه لن يكون لهم حظ في برلمان، آخر فعيونهم الآن على امتيازات العمل النيابي الذي لا يتاح مرتين لمثلهم، لذلك فهامش حركة الفخفاخ واسع لجهة اختيار طاقمه، وليس عليه أن يقع في مماحكات حزبية أو اعتبارات فئوية. وننتظر اختيارا شجاعا وخطابا حاسما وبرنامجا واضحا، يبدأ من إصلاح الإدارة، حيث يعشش الفساد وتحميه النقابات. حتى هذه اللحظة لا نملك له إلا الدعاء، فنجاحه سيكون خروجا بالبلد من أزمته نحو المستقبل.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات