دور النقابة الفعلي في تخريب ثورة تونس

سيخطئ العرب والمثقفون منهم بالخصوص عندما ينظرون إلى تونس من الخارج ويظنون خيرًا بالنقابة المسماة الاتحاد العام التونسي للشغل، ونعذر لهم جهلهم بالتفاصيل، إذ ينطلقون من نظريات قديمة مفادها أن النقابات هي وسائط المجتمع المدني في الدفاع عن نفسه وعن قوته ضد رأس المال وألاعيبه غير الإنسانية ضد الطبقة العاملة المضطهدة دومًا طبقًا للنظرية التي شرعت العمل النقابي.

النقابة التونسية حالة مخالفة، بل مناقضة لهذه التنظيرات الإنسانوية الموروثة منذ القرن التاسع عشر، فقد خربت الثورة التونسية لمصلحة رأس المال الفاسد، وكان آخر مواقفها التخريبية الوقوف إلى جانب الانقلاب وتبريره والعمل معه على الإجهاز على آخر آمال الحرية والديمقراطية في تونس.

وإذا كان هناك أفق ممكن للعودة إلى مسار البناء الديمقراطي فيجب أن يكون بعيدًا عن هذه النقابة وضدها بالخصوص، فقد كشفت السنوات العشرة الماضية أن النقابة عصب المنظومة الفاسدة وأداتها، بل هي أداة الاستعمار ووسيلة الخيانة الوطنية.

النهضة الشر المطلق والنقابة الخير المطلق

أحد ركائز الدعاية التي استعملها مناصرو الانقلاب أن سبب مشاكل تونس هو حزب النهضة الإسلامي وقد تم الإلحاح على هذه المسألة حتى بات الجميع يعتقد أن الحل في إخراج حزب النهضة من الأرض ومن التاريخ وليس فقط من لحظة تونس الراهنة، وهذه جريمة دعائية مبنية بقصد محكم هو توجيه نظر الجمهور غير المسيس خاصة عن المجرم الحقيقي في حق الثورة وحق الديمقراطية الناشئة.

القائلون بجرم النهضة يدفعون الجمهور إلى تجاهل وبالأحرى إنكار دور النقابة التخريبي منذ انطلاق الثورة، وخاصة بعد انتخابات 2011 التي تقدم فيها الإسلاميون ومسكوا ظاهريًا بمقاليد الحكم ولم يكونوا في الحقيقة إلا قشرة ظاهرية للحكم، أما السلطة الفعلية فكانت بيد النقابة التي نظمت أكثر من 30 ألف إضراب في سنتين بمؤسسات القطاع العام بينما بقيت مؤسسات القطاع الخاص خارج كل عمل احتجاجي رغم تردي الوضع المعيشي لأجراء هذا القطاع.

احتمال كسر ظهر مؤسسات القطاع العام وقطاع الوظيفة العمومية كان دومًا يضع الحكومات أمام أمرين أحلاهما مر: الاستجابة إلى المطلب النقابي أو الدخول في حرب أهلية، وكان من بعض المطالب النقابية ضمان خروف العيد لكل منظوري مؤسسات القطاع العام وقد حصلوا على مبتغاهم ورضخت لهم الحكومات اجتنابًا لشر أكبر، لقد ذهبت قروض بين 2011 و2019 إلى زيادات في الأجور غير متوافقة مع نمو اقتصادي ولو في الحد الأدنى ولم يكن لأي حكومة خيار غير الاستجابة أو مواجهة الخراب.

إستراتيجية الطلب الأقصى مقابل التخريب الشامل حولت النقابات في كل قطاع إلى عصابات من قطاع الطرق المحترفين الذين التقطوا بسرعة خوف الحكومات فابتزوها تباعًا، ما حول الثورة إلى مغانم قطاعية انتهت بدورها إلى تخريب الموازنات وضاعفت حجم الديون دون أي إضافة استثمارية منتجة للثروة.

وحتى يتم الابتعاد عن دور النقابة تعمل آلة الدعاية التابعة لها على اتهام حزب النهضة بتخريب البلد دون تقديم دليل عقلاني يمكن اعتماده، وطبعًا دون تقديم أي ملف للقضاء ليحكم على النهضويين الفاسدين الذين خربوا البلد، فلدى الجمهور الآن قناعة ثابتة أن النهضة خربت تونس والنقابة أنقذتها، لكن من منح النقابة جائزة نوبل يعرف جيدًا الدور ومنفذه وقد قبضهم الثمن الأعلى.

من في النقابة فعلًا؟

هذا سؤال لا يجب طرحه لعدم فضح كواليس النقابات والقطاعية منها بالخصوص، لكننا نعرف الكواليس ولا نقدس النقابات، لقد كانت النقابات قبل الثورة ملكًا خاصًا لليسار الاستئصالي يمنع كل متحمس للعمل من دخولها، وبها كانت تفاوض بن علي وتحصل مكاسب للنقابيين دون العمال.

لكن بعد الثورة هاجرت الشعب المهنية (وهي الخلايا الحزبية للتجمع المنحل في الإدارة) إلى النقابات وملكت زمام المطلبية القطاعية وكان ذلك يتم ضمن خطة بسيطة وواضحة، تحالف مكشوف بين اليسار والخلايا المهنية التجمعية التي خسرت حزبها لكنها لم تذب في السكان.

هذا التحالف كان من القوة بحيث وضع مطالب مشطة على طاولة كل حكومة مقابل السماح للإدارة العمومية بالعمل بالحد الأدنى، وكان من مطالبها التوريث النقابي والزيادات في الأجور والمنح التي لا يمكن تصنيفها ضمن الحق النقابي، فقد منعت نقابات الصحة الأطباء من علاج مرضاهم ومنهم سائق القطارات من تشغيل القطار ومنعت شركة الفوسفات من العمل وكانت قبل ذلك قد وضعت قانونًا غير معلن (وزارة الشؤون الاجتماعية التي تفاوض مع النقابة على الأجور والزيادات تكون جبرًا من نصيب النقابة لا يشاركها فيها أحد وكل وزراء الشؤون الاجتماعية منذ الثورة هم وزراء النقابة اختارتهم وفرضتهم ومنعت كل سياسي من الاقتراب من هذه المنطقة فضلًا عن قطاعات أخرى كالتربية والتعليم والثقافة والنقل).

لقد حكمت النقابات على الحكومات وليس العكس، وأجبرتها بقوة التجمعيين خاصة على تحويل كل مطالب الثورة الاجتماعية إلى ترضيات لقطاع الموظفين المرفهين (مقارنة حقيقة بالطبقة العاملة المفقرة).

النقابة تنحاز إلى الانقلاب

خلال الساعات الأولى للانقلاب ظهرت النقابة مترددة لكن بعد أقل من 48 ساعة أعلنت وقوفها مع الانقلاب على الدستور ودفعته إلى التصعيد ضد الثورة وضد الانتقال الديمقراطي بما كشف أجندتها الحقيقية وموقعها الفعلي كمؤسسة معادية للثورة.

كيف يمكنها بعد الآن أن تمارس المطلبية التي اعتادت ووجدت فيها مغانمها؟ هنا يتجلى لنا الموقف الخياني للنقابة، فهي لم تكن ترفع المطلبية محبة في العمال أو الموظفين من منظوريها، بل كانت تشتغل على تخريب كل نازع للتغيير مهما كان من يدعو إليه أو يحكم به.

لم تكن المطلبية هدفها حقيقة، بل كانت وسيلة لإحباط الثورة والتخريب لاستعادة منظومة الحكم المنهارة ورفدها، وها هي المنظومة تستعيد المبادرة بواسطة الانقلاب على الدستور فتقف النقابة معها بلا وجل فترد الجميل لمن منحها جائزة نوبل وظل يخرب الثورة من الخارج حتى وجد من ينظم له انقلابًا في الداخل ضد الديمقراطية.

هنا نود أن نختصر الطريق على أصدقاء عرب يظنون خيرًا بالنقابات لأنهم تربوا على نص مثالي يجعل النقابات دومًا تقف في صف الشعوب ضد السلطة، النقابة التونسية تقدم الحالة المعاكسة تمامًا، توجد على الأرض نقابة تخون شعبها وترهنه لمؤسسات الإقراض الدولية وتعلي خطاب الدفاع عن العمال، لقد خرب الاتحاد العام التونسي للشغل ثورة تونس.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات