اللوبيينغ الحميد واللوبيينغ الخبيث.. صناعة الخوف وتعميم الشك.

Photo

مثلما نعلم ان تونس هي اليوم مخبر عربي متقدم لاختبار خيار الانتقال الديمقراطي و التغيير في العالم العربي فلابد من الاقرار انها ايضا مخبر لتجريب التقنيات الجديدة في صناعة وعي الشعوب عبر احدث وسائل التشبيك و التوجيه الرقمي المتطور و انتاج الاحداث عن بعد و تغيير الفاعلين عبر الهاشتاغ و التدوينة و التغريدة و ترتيب المشاهد السياسية الجديدة عبر شغل اللوبيات و غرف التوجيه من اجل تجاوز المشهد التقليدي في العمل السياسي و التداول على الحكم عبر الاحزاب و السرديات الكبيرة و الافكار الوطنية العظيمة و الطبقة السياسية التي تهذبها السيرة المطولة في الحياة السياسية و الفكرية بوجوه مكشوفة …

هذا مبحث كبير اطنب في تحليله الفلاسفة المعاصرون وعلماء اجتماع الميديا الجديدة وحيل الاتصالية المعاصرة. لكنني اتوقف في هذه التدوينة عند ملاحظتين لابد من الوعي بهما للتحصن قدر الامكان من لعبة تزييف الوعي.

ان من اهم تقنيات ادارة السياسة والتحكم في الشعوب اليوم هو اعتماد الية صناعة الخوف. الجميع يجب ان يخاف الجميع. لا يكفي اليوم ان تكون خائفا ايديولوجيا من شريكك في الوطن (الاخر علماني يتآمر على دين الوطن وثقافته …او اسلامي رجعي يستهدف المدنية والحداثة).

و لكن يجب ان تخاف ايضا من " الوصم " .ما يطبع البنية النفسية للفاعل في الشأن العام هو الخوف من "الكشف المتبادل " في قضايا فساد او في خصوصيات حميمية او في اجتهاد سياسي و لقاءات تفاوض و تعبير عن فكرة يساء فهمها . الخوف شلل للفكر والروح وتوجيه للنشاط السياسي نحو صناعة الدسائس او التصدي لها. وبذلك تموت السياسة كصراع افكار ومشاريع لتصبح صراع ملفات وملفات مضادة او احتراس منها.

الالية الثانية هي الشك المعمم ..كلهم فاسدون ..كلهم خونة ..كلهم مرتبطون …كلهم بتاريخ خطيئة مشتركة …لا وجود لمن يمكن اعتباره سيرة سياسية نظيفة …تلك هي استراتيجية بناء وضع من اللاادرية و الريبية المطلقة …مثلما لا يوجد حقيقة فكل شيء نسبي اي مشكوك فيه ..الافكار و الاديان و القيم الوطنية و فلسطين و التطبيع و العدالة الاجتماعية الخ …فكذلك الجميع مشكوك فيهم اذ تكفي تدوينة او " استقصاء " مدفوع الاجر لصفحات محترفة حتى يصبح الجميع محل شك و لا مشكلة ان ظهر خطأ المعلومة بعد قليل لان المهم ليس التجريم و العقاب القانوني للمذنب بل الاشتغال على عقول الناس حتى يصبح كل الاشخاص و كل الافكار موضع شك .

الخوف والشك حالتان نفسيتان تدمران القدرة على التفكير والفعل الطبيعيين لتصبح القدرة اصطناعية: هل لديك لوبيات وقدرة رقمية على شبكات التواصل لتصبح فاعلا؟ ذاك هو السؤال في عصر الفعل عن بعد.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات