الديمقراطية و أحكامها تعلمك التنسيب في السياسة ..

Photo

في ظهوره الخاطف تعليقا على التراجع الانتخابي لحزبه قال اردوغان " ان تراجعنا في عديد المدن سببه اننا لم نحسن التعبير عن انفسنا بوضوح للناخب التركي " و وعد بمراجعات فعلية و تقييم اعمق لأداء الحزب ..

في ربيع 2011 و في أجواء انتخابية وقتها ايضا كنت في وفد اعلامي و ثقافي ضم كتابا و اعلاميين عربا من دول عديدة في زيارة الى انقرة للمساهمة في ندوة نظمها مركز القدس للدراسات (للفلسطيني عريب الرنتاوي ) بالتعاون مع مركز الدراسات في الخارجية التركية . كانت لنا زيارة الى مقر حزب الشعب الجمهوري الذي كان وقتها يعيش خريف تراجعاته في مقابل الصعود المتواصل للعدالة و التنمية .

و في جواب على اسئلتنا عن اسباب هذا التراجع لم نسمع من قيادات الحزب أكثر من نقد ذاتي عميق أكد فيه قيادات " حزب اتاتورك العريق " ان نجاح العدالة و التنمية سببه انهم انجزوا في كل مرة منذ بداية صعودهم المتدرج في سنوات الالفين ما وعدوا به الناخبين ما جعلهم يحصدون عند نهاية كل عهدة اصواتا جديدة في الاستحقاق الذي يليها .و في المقابل أكدت قيادات الشعب الجمهوري ان الجمود العقائدي و الهيكلي لحزبهم و بطء تفاعله مع التحولات الثقافية و الاجتماعية يجعلهم مدفوعين حاليا الى صياغة استراتيجية مراجعات يأملون ان تؤتي اكلها قريبا . في هذا اللقاء كنا نلمس في القيادات الحاضرة تنوعا في الاعمار و المزاج لكن مع تجانس كامل في الرؤية النقدية التي طالت حتى نظرتهم الى الجوار العربي لنلمس وعيا بالتحولات العميقة التي يعيشها العرب وقتها في اجواء الربيع الوليد .

في زيارتنا لمقري الحزبين الاكبرين كنا نلمس فرقا واضحا بين حزب عدالة و تنمية يعج بالحركة و يزدحم بالاعضاء العاملين من فئتي الشباب و النساء بالخصوص و حزب الشعب الذي يبدو مقره في وضع صمت و هدوء تهيمن عليه اجواء بيروقراطية ادارية باهتة و لكن خلفها ما سمعناه من القيادات من استعدادات للمراجعة و التغيير .

ما لفت انتباهي في لقاءاتنا بقيادت الحزبين الاكبرين ان الخطابات و الاستعراضات الانتصارية التي كنا نراها في الشارع الانتخابي لم نسمعها في لقائنا مع قيادات احزاب كانوا يدركون انهم يخاطبون مثقفين و اعلاميين فلم نسمع طيلة لقاءاتنا مع القيادات الحزبية التركية كلاما عن الخصم بل حديثا عن الذات الحزبية يتم فيها التأكيد على وجاهة و صحة الرؤية الحزبية ثم الانتقال الى ابراز مكامن الضعف في الحزب و الخطط التي يتم اعدادها لتجاوزها .

حين اتابع حاليا الحيوية و التحولات و التشويق الذي اصبح يطبع الانتخابات التركية منذ سنوات افهم ان الامر يتعلق بحيوية حزبين كبيرين .انتهى الزمن الانتخابي الذي كان فيه العدالة و التنمية يشق طريقه بثقة مطلقة امام احزاب متوسطة الاحجام و حزب " قديمة " لم تتطور بل اصبح الان العدالة و التنمية يواجه معارك انتخابية شرسة .

لا يتعلق الامر فقط بقانون اللعبة التي تجعل السلطة " تهري " من يحكم و لا يتعلق فقط بالاخطاء السياسية الكبرى التي ارتكبها اردوغان و التي انعكست على وضع البلاد الاقتصادي و الديمغرافي (خوف الناخب التركي من ارتفاع الحضور العربي و تأثيره على نمط العيش و الاسعار مثلا ) ..

بل يتعلق الامر ايضا بحيوية حزب معارض يحسن الاستثمار في اخطاء الخصم و يطور اساليبه و رؤاه حتى يجعل الناخب الغاضب من حزب الحكم لا يلزم بيته غضبا يوم الانتخاب بل يذهب ليختار البديل الذي يجده في معارضة حية و متطورة و مسؤولة تجبر الحزب الحاكم نفسه على التطوير و النقد الذاتي حتى يحفظ بقاءه في السلطة ....الديمقراطية مجال الاقتناع بنسبية الحقيقة و ضرورات التطوير …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات