" سنة عن سنة "

Photo

تقول لي مرآتي ليلة رأس السّنة: كبرت قليلا.. هناك، في المفرق، شعرات بيضاء.. بضع تجاعيد حول العينين.. خطوط فوق الشّفة العليا.. غيمة في المحيّا.. وضحكة مخاتلة تخفي أسى السّنين..

أقول لمرآتي: أغمضي عينيك عن تجاعيدي وعن الأبيض.. لن أكبر رغم الرّعب حولنا.. هناك دائما ما نحيا من أجله: أبناء في طعم الشّهد.. أصدقاء في طعم الشّكلاطة.. حبّ في طعم السكّر.. والدان كنهري عسل..

هناك دائما ما نحيا من أجله: أغنية عاشقة.. قصيدة مجنونة.. رقصة فالس حالمة.. فرح قادم في شتاء ماطر.. قمر يطلع سريعا ثمّ يركع تحت قدمي امرأة جميلة.. فيروزة تضيء في ليل العتمة الطّويل..

القلب لا يزال نورسة .. والرّوح سوسنة..

تقول مرآتي: تعيشين زمن الدّواعش برومانسيّة القرن التّاسع عشر.. انظري في أعماقي هناك.. سترين هندسة الخراب.. وسترين الوحوش يستعذبون القتل ويتلذّذون السّير على الجثث.. وسترين من يصنعون الوحوش يرقصون هذه اللّيلة فرحا باستمرار الزّمن " الدّاعشيّ " الجديد.. سنة أخرى أو سنوات. لا ندري.. من أجل خارطة جديدة للعالم .. آنذاك سيغزو الشّيب رأسك والعالم.. وسيغزو الرّعب قلبك والعالم.. وستغزو التّجاعيد وجهك والعالم.. سنة بعد سنة ستهرمين ويهرم العالم الذّي سيلتهمه أبناؤه الوحوش بعد أن حوّلوه إلى فريسة ينهشونها..

أقول لمرآتي وأنا أفتح عينيّ ذعرا: سنرفع الأفكار والأغنيات.. وسنرتفع على الوحوش بالحلم والكلمات.. سنكسر الدّائرة ونهزم الحصار .. لن نبقى في قاع الهاوية.. سنصعد حيث التّلال تستعيد أعشابها ونورها ونوّارها وحيث العقول تستعيد وعيها وحيث الرّوح تستعيد روحها وحيث الإنسان يتعايش مع الإنسان: واحد متعدّد متّصل منفصل قريب بعيد ثابت متحوّل قديم متجدّد ساكن متحرّك ..

تضحك مرآتي: ستواجهين طواحين الرّيح وتعيشين أوهاما جديدة.. ألا ترين في قاعي " عفاريت " الأرض يرسمون المصير؟ ستكون سنة عابرة كسنوات كثيرة عابرة.. سيكون هناك عيلان جديد ملقى على الشّواطئ ومبروك سلطاني آخر يبيت رأسه في الثلّاجة.. في الأثناء سيواصل البشر العيش كما يعيشون كلّ سنة يلهثون وراء الأراجيف المحدثة والتّالدة.. وسيصدّقون الأكاذيب العتيقة للسّاسة الجدد ومكر الدّهاة وخرافات الطّغاة..

أقول لمرآتي: أنت تدّعين الحقيقة لكنّك لا تملكينها.. لا ترين سوى بعضا منها ولا تعكسين سوى العتمة.. احكي يا مرآتي. ـ احكي عن تلك البذرات التي تلقى هنا وهناك وعن تلك الأثلام التي تقيم بها وذلك الضّوء الذّي يدفئها ويحوّلها إلى نبتات وأوراق وزهرات.. بداية لشيء ما جميل ويانع.. بداية حبّ كبير.. بداية ثورة كبرى.. بداية المعنى الأكبر..

كم أنت كئيبة يا مرآتي.. كم أنت شقيّة..

سأكون سعيدة ما أمكن.. مبتهجة القلب ما استطعت

سأكون الوجه الآخر لوجهي فيك..

سأرى ما لا أراه فيك.. سأرى القوّة في ضعفي والتّماسك في هشاشتي..

أبتسم لمرآتي فتنزوي الظّلمة في القاع ويضيئ شعاع..

كلّ سنة وأنت طيّبة.. يا أنا في المرآة..

كلّ سنة وأنتم طيّبون.. يا أنتم في القلب..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Chiheb Boughedir
01/02/2016 01:23
Le miroir ne révèle que ce qu'il voit et ce qu'il voit ne révèle que ce qu'il est permis de voir.Un texte comme on en lit peu, traversé par le souffle divin de la sensibilité.