عزيزي نوبل.. غلطوك

Photo

مساء النّور أيّها النّائم في رمسك.. أنا مواطنة من تونس.. تونس التّي حصلت اليوم 9 أكتوبر 2015 على جائزة نوبل للسّلام.. جائزتك التي لم يفهم إلى يومنا هذا سبب اختيار السّلام موضوعا لها وأنت المهندس الكيميائيّ مخترع الدّيناميت سوى أنّك كنت تبحث عن صكّ غفران.

لم أراسلك؟ لم أقضّ مضجعك؟ عذرا سيّدي ولكنّ جائزتك هزّت كياني.. زلزلتني ولملمتني وبعثرتني فلم أدر هل أفرح أم أحزن؟ أضحك أم أبكي؟

بكيت يوم صفّق العالم لوطني في لحظة تاريخيّة أسطوريّة. كان ذلك ذات 17 ديسمبر حين أحرق البوعزيزي نفسه؟ هل حدّثوك عنه؟ هو طائر الفينيق الذّي ظلّت روحه تتجدّد وتنبعث من رمادها. في تلك اللّحظة اهتزّ الوطن وزلزلت الأرض وخرج التّونسيون يدا واحدة ضدّ عصابة كانت تكتم أنفاسه وتحرمه الحريّة والكرامة ولوّح بيده ففرّ زعيمها واندفع الشّباب يطلبون حقّهم في الحياة وفتحوا صدورهم للرّصاص وتراجع اللّصوص وكان التّأسيس وخرج ذلك الشّيخ ليقول عبارته الشّهيرة: " هرمنا من أجل هذه اللّحظة التّاريخيّة " تسألني أيّ لحظة؟؟ هي لحظة الحريّة بعد 50 سنة من الاستبداد والفساد الذّي حرم البلاد من أن تكون في منزلة بلدان استقلّت في نفس فترتها تقريبا. في هذه السّنة: 2011 كان شعبنا يستحقّ جائزتك. الشّعب وحده.

وكان الشّهداء يستحقّون جائزتك فقد فتحوا لنا بابا للمجد الحقيقيّ لا المجد المخاتل. ولكن: هل تمنح جائزتك للشّعوب الثّائرة ضدّ أنظمة الاستبداد التّي تخدم مصالح القوى الكبرى الماسكة بزمام الأمور والمتحكّمة بجائزتك نفسها؟ . جائزتك التّي تسلّمها بعض مهندسي الخراب في العالم؟. شعبنا لم ينل الجائزة رغم أنّ ثورته كانت كما تحدّث عنها الغرب " سلميّة " إلى حدّ أنّه سمّاها زمنا في ضرب من السّطو وتمييع المعنى: ثورة الياسمين. ولم يتحصّل عليها رموز النّضال ضدّ الدّيكتاتوريّة في هذا الوطن فقد سعت ألة القديم في إطار استراتيجيّة كبرى إلى محو هذه الرّموز وتشويهها أو ابتلاعها.

جائزتك تحصّل عليها الرّباعي الرّاعي للحوار.. رباعي ماذا؟؟ رباعيّ توافقيّ من أجل توزيع المواقع وتحقيق التّوازن. يقولون إنّه أنقذ البلاد من حرب أهليّة ولكنّه لم يفعل ذلك سوى لأنّه طبّق الأجندا المفروضة. فهو رباعيّ مافتئ يخضع لأوامر السّفارات والبنوك الدّوليّة وقوى المال الكبرى ونجح أيّما نجاح في إعادة المنظومة القديمة التي ثار عليها الشّعب ولم ينجح في مزيد حجب التصدّعات والصّراعات الكبرى التي تنخر هذه القوى في الدّاخل.

واليوم، وأنا أفتح عينيّ على خبر تسلّم تونس الجائزة لم أدر هل أضحك أم أبكي؟ فالموقف سرياليّ خاصّة أنّه يقترن بحرق شابّ آخر نفسه اليوم ، في نفس اليوم الذّي أعلن فيه عن جائزتك، وبموت شباب في وطني تحت التّعذيب وبإعدام فتاة فلسطينيّة من قبل مجموعة من الصّهاينة وبعدد مهول آخر من القتلى السّوريين.. وخاصّة وأنّنا نفتقد هنا السّلام الدّاخليّ في ظلّ أشرطة الرّعب التي نعيش وقصص الإرهاب والاغتيالات التي لا تنتهي.

نوبل.. غلطوك عزيزي نوبل.. جائزتك كافأت من حوّلوا وجهة ثورتنا وفق تعليمات وأوامر من دول لا يعنيها سلامنا فهل هي قادرة أن تمنحنا ما يكفي من السّلام والسّعادة؟

ستمنحهم مزيدا من الإيغال في السّطو على المعاني وأهمّها معاني السّلام..

غلطوك عزيزي نوبل.. فجائزتك تمنح للمطبّعين والمطيعين لشروط تضعها المركزيّة الغربيّة. إنّها المجد المخاتل الذّي تمنحه مؤسّسات تلزم صاحب الجائزة بخارطة طريق.

نوما هنيئا نوبل، جائزتك رفضها سابقا جان بول سارتر الفيلسوف وبرناردشو السّاخر والفياتنامي لي دوك ثو الذّي لم يقبلها لعدم تحقّق السّلام على الأرض.. وها أنّ جزءا من شعبي أيضا يرفضها .. يرفضها بطريقته السّاخرة المتهكّمة من جائزة يعي حجم التّنازلات التّي رافقتها..إنّه يريد جائزة سلام برأس مرفوع وبسلام حقيقيّ.. سلام لا ينفصل عن السّلام الحقيقيّ هنا في تونس و فلسطين وسوريا والعراق..

كم أنا فخورة اليوم باسم وطني يتردّد في العالم.. كم أنا حزينة لوطني الصّغير والكبير الذّي يفتقد السّلام..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات