الانقلاب تحت عنوان "الزواولة"

Photo

حدث أن كتبت يوم المرأة العالمي مقالا يحمل عنوان: كلّ النساء جميلات وكان عنوانا مخاتلا فمضمون المقال نقد لرئيسة حزب فاشي وبيان للدور التخريبي الذي تقوم به من أجل إفشال التجربة الديمقراطية.

وحدث أن نُشر المقال في مواقع تونسية وموقع مصري مستقل ووقع وضع عنوان للرابط: كل النساء جميلات مع صورة لي. في الغد وأثناء ندوة فكرية روت لي صديقتي فاطمة أنّ إحدى أنصار هذا الحزب الفاشي نشرت المقال على صفحتها باعتباره مديحا للنساء، وأنّه وقع تنبيهها بعد زمن إلى أنّ المقال ليس مديحا للنساء في عيدهنّ بل هجاء لرئيستها فحذفته بسرعة.

كان الأمر كفيلا بأن يجعلني أضحك طوال يومي، ولكنّه أكّد لي أنّ أعداء الديمقراطية لا يقرؤون، وأنّ القراءة في الأصل فعل ديمقراطيّ لأنّها اعتراف بالرّأي الآخر واستفادة منه وتفاعل معه وبناء مشترك من جدل الأفكار لرأي أكثر صوابا، وأنّ القراءة ضدّ للفاشيّة وللارتزاق وسطحيّة العناوين الجميلة والبرّاقة التي يقف عندها من لا يقرؤون.

تذكّرت هذه الحادثة وأنا أرى كمّ العناوين المخاتلة لمقالات يتمّ الترويج لها على صفحات مموّلة لا تعرف أصحابها وتدهش لتفاعل بعض الأسماء معها والذي يصل حدّ الترويج لها. ولكنّ التجربة تجعلنا ندرك أنّهم هم أنفسهم أعداء الديمقراطية وخَدَمة الفساد الذين عطّلوا نجاح الانتقال الديمقراطي طيلة 9 سنوات هم أنفسهم الذين "يبكون بالدم" تونس هم أنفسهم الذين صمتوا زمن الدولة البوليسية وعمار 404 ويصرخون الآن أنّ الدولة تتجسّس على المواطنين وأنّ ثوار اليوم يعيدون دولة البوليس ويكبتون حريّة التعبير..

هم أنفسهم الذين لا يقرؤون ويعتقدون أنّ الآخرين لا يقرؤون فيغرقون الفضاء بعناوين مخاتلة تدعو إلى الثورة والاعتصام من أجل الجياع والزواولة وإلى الانقلاب على حكومة العمالة وإلى حملة شعبية من أجل حلّ البرلمان. هم أنفسهم الذين يدينون الاقتطاع من أجور الموظّفين سعيا إلى التجييش ولكنّهم لا ينبسون بكلمة واحدة عن آلاف المليارات التي نهبها الفاسدون الذين يمثّلونهم. والمدهش أكثر أنّ دعاة الانقلاب باسم الزواولة والجياع هم في أغلبهم من الأثرياء الجدد الذين استفادوا كثيرا من فساد راسخ باق ويتمدّد منذ 30 سنة على الأقل. وهذا كاف لإسقاط كلّ العناوين.

"نخاتل" من أجل الدّفاع عن الديمقراطيّة وعن العيش المشترك وعن الوحدة ضدّ دولة الفساد العميقة ويخاتلون من أجل خدمة قوى فساد متحالفة مع قوى صراع تريد تحويل أرضنا إلى حلبة لها. قوى مرتبطة بمحاور عالمية لا همّ لها سوى تثبيت مواقع نفوذها.

لا أحد قادر على أن يدّعي امتلاك الحقيقة، وحدها القراءة اليقظة الذكيّة والواعية تمكنّنا من تجنّب كمّ التزييف والتزوير والمغالطة، وتقرّبنا من الفهم السليم لما يدور حولنا.

احذروا العناوين المخاتلة.. حتى عناويني أنا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات