نسيم السّلطاني يذهب إلى الحرب وحيدا

Photo

نسيم السّلطاني.. ابن عمّ الرّاعي المرحوم مبروك السّلطاني.. من الآلاف الذّين انقطعوا عن الدّراسة مبكّرا لأنّه لا خبز لديه ولا ماء ولا مستوصف ولا مدرسة ولا طريق إلى المدرسة.. نسيم من المائة ألف الذّين يأكلون الحشيش والخرشف والخبّيزة والدّراسة لديهم رفاهة لا يقدرون عليها.. لا علم له بالتّاريخ ولا بالجغرافيا .. لا يعرف ما معنى تونس وسمع بالجزائر في سنّ السّادسة عشر والانتخابات لديه مفهوم غريب سرياليّ.. لا يعرف أنّها ممرّ الطّامعين الحالمين بربوة قرطاج وبغرفة النّوم في قصر قرطاج بعيدا عن أحلامه البسيطة.. أحلامه الصّغيرة بالخبز والخبّيزة في قرية السّلطانيّة المتاخمة للجبل الذّي يقيم به الوحوش..

نسيم السّلطاني افتكّ منه الإرهابيون أحلامه الصّغيرة: الحطب في الجبل لطبخ الخبز.. والحشيش للغنم وله.. أيضا..

المثل السّاخر يقول إنّ الله حرّم على البشر الحشيش.. ولكنّ نسيم يأكل الحشيش ويفقد ثقته في الجميع.. وفي اللّه.. اللّه الذّي التفت عنّا غاضبا من عنجهيّة البشر.. نسيم فقد ثقته في اللّه ..الفقر كافر.. ونسيم كفر.. فلا تغضب منه يا اللّه.. نسيم أكثر إيمانا بك ممّن يتحدّثون باسمك.. يا اللّه..

نسيم الوسيم ذو العينين الجميلتين كان يمكن أن يكون مشروع فرحة: شابّا مرحا مبدعا خلّاقا .. لكنّ ماء البحيرة الجبليّة الملأى بالجثث الحيوانيّة التّي يشرب منها للنّجاة من العطش جعلت عينيه تمتلئان بالغمام الأسود والوجه تعلوه حمرة القهر والقلب منكسر شظايا.. يقيم فيه رأس مبروك والدّم الذّي لطّخ ثوب رفيقه شكري..فكيف نلملم شظاياك يا نسيم؟

كيف تعيد إليك الدّولة الرّوح وقد سلبتها منك طيلة العشرين ربيعا التي عشت بعد أن حرمتك الماء والفرح والطّريق إلى الفرح وانشغلت عنك بتجميل رأس زعيم العصابة قبل أن تقتلعه ليتجدّد الأخطبوط برؤوس جديدة..

كيف تعيد إليك الدّولة الرّوح وخطابك يروّجه دعاة القديم ورموزه للتحسّر على القديم الذّي افتكّ منك الفرح والحياة منذ صغرك؟

نسيم .. عار على الجمهوريّة الأولى والثّانية.. عار على من يتحدّثون عن الإنجازات العظيمة للدّولة الحديثة في العهد السّعيد.. وعار على من يتناحرون على السّلطة الآن..

لم ينسنا ذبح مبروك تناحركم.. فأنتم تذبحون الدّولة مرّات ومرّات بطمعكم وجشعكم وانشغالكم عن البسطاء الذّين، لحسن حظّهم، لا يعرفونكم ولا يرونكم في التّلفاز ولا يسمعونكم في الإذاعات.. لأنّ بعضكم إرهاب ثان..

نسيم لم تعترف به لا الجمهوريّة الأولى ولا الثّانية.. يسير في الطّرقات وحيدا يستجدي اعترافا ولم يره أحد.. ولم يشفع له سوى رأس مبروك.. الرّاعي الذّبيح.. ولولا رأس مبروك لما تفطّنت الدّولة إلى نسيم.. ولما ظهر في بلاتوات النّظام القديم العائد بأقنعة جديدة.. أقنعة حرّاس الفقراء بعد أن أصبح بعض حرّاس الفقراء الحقيقيين أذرعة للأخطبوط..

نسيم الفقير كفر وفقد ثقته في اللّه.. ونسيم الفقير كفر وفقد ثقته في الدّولة.. هو الآن كافر بكم وسيحمل نفسه ويذهب إلى الحرب وحيدا..

نسيم كان يمكن أن يشتريه الإرهاب بالمال.. لكنّ نسيم يقدّم الدّرس الأعظم في الوطنيّة: لن يبيع نفسه للإرهاب.. سيصعد إلى الجبل لمحاربه الإرهاب.. وحيدا.. وسيدفع الصّخرة إلى القمّة.. وحيدا. كسيزيف..

وسيحمل معه أسلحته الصّغيرة: وجعه الممضّ داخله.. رأس مبروك.. وجه والدته الثّكلى.. حذاءه القديم..ألم ابن عمّه شكري الذّي انقطع عن الدّراسة منذ ثلاثة أيّام.. مستقبل أخته الصّغرى التّي يحلم بأن تواصل دراستها.. الماء الملوّث والحشيش.. تمسّكه بالبقاء في القريه وعدم الرّحيل نحو المجهول.. رغم كلّ شيء

نسيم الكافر اليائس المنكسر المتناثر شظايا سيذهب إلى الحرب وهو يعلم أنّه يضع رقبته تحت السكّين وجسده لذئاب الجبل تفريه بأظافرها..

أنت تقدّم الدّرس القاسي يا نسيم.. الدّرس الأقسى..

ما أكبر روحك نسيم وما أصغر الدّولة أمامك..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات