زرّاع الفتنة : لقد زرعنا طوال هذه الرّحلة شعرا ووردا وأفكارا

في لحظة وجوديّة كنّا نفكّر، أنا وصديقتي عُلا عضو هيئة الحقيقة والكرامة، أنّنا لم نكفّ عن التّظاهر منذ سنّ الخامسة عشرة، وأنّ أولى مظاهراتنا ( في العهد البورقيبي ) كانت من أجل الحريّة، وآخر مظاهراتنا أيضا اليوم، من أجل الحريّة، في شبه عود على بدء، بعد أن صارت الدولة محكومة بعقيدة أمنيّة تمنع التحرّكات الميدانية وتضيّق عليها وتحاصرها.


…

…

العقيدة الأمنيّة كانت حاضرة اليوم لبيان ألّا وزن للمتظاهرين فضيّقت عليهم في الطّرقات والقطارات بإفراغ بعضها وحتّى المتوجّهين منهم إلى معرض الكتاب، وفتّشت في أجسادهم وحقائبهم في استعراض أمنيّ مكثّف يحاول أن يجد شرعيّته في قصّة السّكاكين. إرادة المتظاهرين حوّلت الحاجز إلى سلّم للصعود بعد أن تمّ إلغاء المنصّة.

هكذا تبتكر الشّعوب دوما أشكالها النّضاليّة، وبين أوّل مظاهرة عشتها وآخرها، رأيت أشكالا متعدّدة من طرق الاحتجاج جلّها ابنة اللحظة. تراث كبير أنتجه تاريخ نضالي ضدّ الاستبداد هنا يمكن الاشتغال عليه لفهم علاقة هذا الشعب بالحريّة.

والقدرة على ابتكار الأشكال يكشف أيضا قدرة على ابتكار المضامين وهو ما كشف عنه المتدخّلون ( من بينهم عميد المحامين السابق عبد الرزّاق الكيلاني وممثل مواطنون ضدّ الانقلاب جوهر بن مبارك ) الذين صعدوا الحاجز المتحوّل إلى سلّم ليعرضوا على سطح كشكٍ بعض تفاصيل المبادرة الديمقراطية التي تحمل تصوّرا واقعيّا هامّا لبديل سياسيّ ممكن ينتظر توحّد المعارضة حوله.


…

كلّ هذا الحراك الشعبي ليس سوى تجذير للديمقراطيّة التي تمّت وتتمّ محاربتها من الجميع وبكلّ الطّرق. وأنا أتأمل الحاضرين كنت أستشعر يقظة للشارع الاجتماعي أكّدها لنا سائق التاكسي ابن المنيهلة الذي أكّد لنا خيبته كمواطن في ما يسمّى " تصحيح مسار".

صديقتي صرّحت أنّها كانت تعتقد بعد هذا العمر أن تكون نضالاتنا من أجل قضايا أيكولوجيّة لمقاومة التلوّث والعيش في وطن جميل بعد ترسيخ الديمقراطيّة الاجتماعيّة، وكنت أفكّر أنّ يوما كهذا كان يمكن أن أكون في معرض الكتاب الذي يحتضن كتبي دون أن أزوه، ولكنّنا وجدنا أنفسنا نلتقي في الشّارع من أجل قضيّة عمرها خمسون سنة، ولنستمع إلى نفس التّهمة: زرّاع الفتنة. لقد زرعنا طوال هذه الرّحلة شعرا ووردا وأفكارا. وزرعنا محبّة تكبر وتورق وتزهر.


…

وسعداء بأنّنا نعيش أفكارنا التي نكتب.. أفكار الحريّة والعدل والعيش المشترك.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات