الحدّ الأدنى من الفرح

Photo

صوت آمال المثلوثي المدوّي اليوم أمام العالم أعادنا إلى لحظات النّشوة الأولى.. لحظة توهّمنا أنّ هناك شعب انتصر بإرادته على مغتصبيه وسرّاقه وناهبيه..

الصّوت المدوّي أنعش الذّاكرة التي اهترأت بفعل الطّرق الإعلاميّ الموجع طيلة سنوات حتّى خال الكثير الثّورة وحشا والحريّة لعنة فتباكوا يطلبون عودة " الأب " الذّي فرّ وترك أبناءه للرّيح.

آمال .. وجهها .. عيونها الواسعة الجميلة.. نظرتها الثّابتة المصرّة.. رشاقتها المحبّبة.. صوتها المطعّم بذبذبات البداوة وتاريخ المناطق المنسيّة.. صوت يدوّي في أوسلو.. حيث يحمرّ وجه الملوك ويخجل نوبل من أصوات المقهورين والمنسيين والمنهوبين في تاريخ استعماريّ طويل فيسرعون إلى الجوائز لإخفاء خجل المستعمر من مستعمريه.

هي أغنية.. أعادتنا إلى البراءة الأولى.. ارتعاشة الثّورة الأولى .. خفقان القلب لحظة ارتفاع القبضات واندفاع الصّدور العارية.. لحظة سقوط حاتم بالطّاهر والثلاثمائة شهيد وأكثر.. لحظة شعور الشّباب بالانتماء وحملهم العصيّ لحماية أحيائهم ليلا من المجهول الذّي يأتي في شكل قنّاصة أو سيّارات إسعاف وهميّة..

هي أغنية.. لكنّها وهي ترتفع هناك في بهو القصر أمام العالم تعلن أنّ حكاية جميلة حدثت ذات شتاء.. سيرويها العالم ونرويها لأحفادنا.. حكاية شعب هبّ ذات شتاء ضدّ سرّاقه الذي نهب زعيمهم وحده من الدّولة ما قدره 5 آلاف مليون دينار حسب التّقيرير الجديد لمنظّمة الشّفافيّة الدّوليّة.. 5 ألاف مليون دينار . 5 آلاف مليون حياة.. 5 آلاف مليون حلم.. 5 آلاف مليون طفل كان يمكن أن يسعد بالحياة في وطنه دون أن يفكّر في أن ينتحر في غصن شجرة زيتون أو أن يمدّ يده ليسرق حافظة نقود لامرأة منهكة تعمل في البيوت أو لعامل يشقى في الحضائر..

انا حق المظلومين
يبيعو فيه ال ناس كلاب
الّي تنهب في قمح الدار
و تسكر في البيبان
قدام وهج الأفكار

يأتي صوت أمال مدويّا أمام العالم ليعيد وهج الأفكار ولتعيد إلى المعنى معناه الذّي سلب لحظة تجلّيه.

أحاط " العقلاء بالوردة الحمراء المجنونة وسعوا إلى إطفاء نارها كي لا يمتدّ الحريق وتوافقوا إرضاء لأوامر " المسؤول الكبير " ونجحوا في عقلنة فوضاها فنالوا رضاه وأنالهم جوائزه.

لكنّ عشّاق الوردة الحمراء " ما يموتوش " هكذا تقول الأغنية.. وعشّاق الوردة الحمراء مجانين فوضويون حالمون أحرار ككلّ العشّاق لا يأبهون بالجوائز غايتهم فحسب المعنى ينتصرون به على العدم والفرح ينتصرون به على الموت.

هي الشّعوب تظلّ تحلم بالحدّ الأدني من الفرح في وجود غير عادل يقع في قبضة استعمار جديد يأخذ أشكالا جديدة وأساليب جديدة وألوانا جديدة.

ويظلّ الحلم تفصله عن حسابات السّاسة وعقلانيّتهم النّفعيّة مسافات شاسعة، كالتي تفصل الشّعر عن الواقع:

انا وسط الظلمة نجمة
انا في حلق الظالم شوكة
انا ريح لسعتها النار
انا روح إل ما نسيوش
انا صوت إل ما ماتوش
نصنع مالحديد صلصال
و نبني بيه عشقة جديدة
تولي أطيار
و تولي ديار
و تولي نسمة و امطار..

هي أغنية.. لكنّها لخّصت أمام العالم اليوم الأجمل لدى التّونسي: روحه الحرّه !

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات