في غزّة هناك الإنسان، قبل أن نعلن انتهاءه من سائر بقاع الأرض

لا تخوض حماس الحرب ضدّ كيان صهيونيّ أبارتهايديّ مسلّح فحسب، بل تحارب أيضا نظاما عالميّا متجذّرا في عقيدته الدمويّة وفي نزعات تفوّقه، نظاما عالميّا مستقويا بالمال والتكنولوجيا وظالما رغم ادّعاءاته.

لقد طالت المقاومة هذا النّظام، ونجحت في إحداث ثقب في جداره، ورجّه عسكريّا وإيتيقيّا، ولكنّ الجدار كان من العلوّ الشاهق، ككلّ جدران الظّلم في هذا العالم المتناثر ، حتّى أنّه أنهك فعل المقاومة المعزول والمحاصر والعظيم في إنسانيّته.

يتلقّى العالم اليوم الدرس الكبير في المقاومة قبل أن يتحوّل إلى عالم لا يحتمل البقاء فيه، وقبل أن تغمره سيولة الظّلم التي لن ينجو منها أحد، وسيولة السعادة العابرة والزائفة بلا حريّة.

لقد كان هدف المقاومة أكبر من بؤس هذا العالم المتراخي الذي ترتفع فيه أقلام اليوم لتعلن نهاية المقاومة، أقلام عربيّة وتونسيّة تسعى إلى تأبيد دولة البوليس في بلدانها، وتتقنّع بالعقلانيّة المفرطة لتأبيد استبداد الحكّام.

ستظهر مدن عربيّة جديدة مبهرة في حداثتها المفبركة بقوّة المال والتكنولوجيا الغازية والنّفط السّائل، وهو ما تشهده مصر والسعوديّة نموذجا، لكنّها ستكون مدنا بلا روح، لأنّ الروح هناك، في مدينة اسمها غزّة، وسط كلّ الخراب نجحت في أن تجسّد النموذج الإنسانيّ المكثّف للوجود الإنسانيّ المقاوم، في أن تكون الأنطولوجيا الجديدة بأثمانها الباهضة، وضعفها الإنساني، وقوّتها الرّوحانيّة العالية، وتمرّدها حتّى على الذّات، وعلى السّلطة، وعلى العالم، في انتصارها في هزيمتها.

في غزّة هناك الإنسان، قبل أن نعلن انتهاءه من سائر بقاع الأرض.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات