إنّها حيرة ما بعد الطوفان

هكذا، نشاهد كلّ يوم بعينين مفتوحتين على الرّعب الخالص ما يحدث. نحن لا نخاف ما يقع هناك. إنّهم يكتبون بشجاعة وبكلّ الضّعف الإنسانيّ الخارق أسطورة موتهم الخالدة. نحن نخاف ما يحدث هنا بأعماقنا. كلّ القلاع التي تهتزّ. كلّ المفاهيم التي تبنّينا. كلّ الأكاذيب التي انطلت. كلّ الشّعارات التي رفعنا. الزّعامات التي مجّدنا. الأوهام التي عشنا. نمط الحياة والفكر. . كلّ ما يتعلّق بنا يغزوه الطوفان ويحفر فيه ويلقيه. قلق ممضّ كقلق ما بعد الطّوفان يدعو إلى إعادة فهم العالم هل أجدنا اختيار طريقة حضورنا في العالم ؟

الآن، وفي ضوء التجربة الأليمة والمدهشة التي نعاين كلّ يوم، في ضوء رؤية الغزّاوي للحياة والموت، حفره المضني بأظافره في الأنقاض من أجل الحياة، إصراره على الحياة إلى حدّ الموت، صمود الأطبّاء في وجه العبث اللّاإنساني، تفوّقهم على ما أنجزه أطبّاء العالم خلال فترة الكوفيد، مرافقة المريض في رحلة الحياة والموت دون أنانيّة هي صفة العصر، القيم التي يعيشون بها، المعرفة المدهشة وامتلاك اللّغة حتّى لدى الأطفال، صنع الخبز اليومي من لا شيء، الطعام كأداة أخرى للمقاومة يُبتكر بطرق جديدة، الغناء نشيد الموت الملحمي يرتفع وسط الدّمار، الأمّهات الخارقات في الطّريق أجسادهنّ وطن آخر للأطفال، اليقين الجماعيّ بالحقّ. .

كلّ هذا، يجعلنا نفتح أعيننا في فزع على اختناق المعنى هنا، على لايقيننا، على فراغنا من المشاريع الإنسانيّة الكبرى وغرقنا في استهلاك كلّ شيء دون طرح الأسئلة الحقيقية عن قيمة ما نفعل.

لعلّ التّجربة البشريّة التّاريخيّة التي نتابع هذه الأيّام في غزّة، والتي شاءت أعمارنا المقدّرة في هذا الزّمن أن نكون شاهدا عليها، تمثّل إحدى الإجابات الكبرى: أن نحيا فعلا هو أن نختار طريقة وجودنا: أن نكون حقيقيين أو ظلّا لغيرنا، أن نحفر بأظافرنا من أجل الوجود أو أن يُحفر لنا. ثمن هذا الاختيار باهظ. إنّه يفوق لا ريب القدرة البشريّة على الاحتمال.

إنّه فعل مقترن بالألم العظيم، الألم الذي يُفزع، الذي يقتل أو يحيي من جديد. أترانا اخترنا ما يجب ؟ أترانا اخترنا اللّاألم القاتل ؟

إنّها حيرة ما بعد الطوفان.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات