ديريجيني.. واللائحة.. وفاتت جنبنا

Photo

سائق التاكسي الشاب الذي أوقفته بعد أن عدلت، بسبب الشمس الحامية التي لم تصغ إلى رجاء شادية العظيمة بأن " ماتحماشي"، عن إنهاء السير على القدمين الذي أحرص عليه دائما بدافع تنشيط الدورة الدموية، هذا السائق طلبت منه أن يوصلني إلى التلكوم فقال لي بغلظة:

ـ مانعرفهاش ديريجيني

طبعا احتجت ثانية حتّى تهدأ الخيالات والعصافير والنّجوم التي أثارتها الشمس العربية الافريقية في عينيّ المظلمتين، وبنوروناتي الناجية من الحريق الشمسي الهائل، فهمت العبارة.. يا لفرحتي.. فهمتها.. وأجبته بسرعة أعجبتني:

ـ إي فهمتك ولدي.. توة نديريجيك.

وبسبب انحراف مهني أعانيه، أخذت في سرّي أصرّف العبارة بفرح طفوليّ خفيّ: ديريجني.. ديريجيني.. ديريجكما.. ديريجكم.. ديريجيكنّ ههه.. ثمّ أعيد تصريفها باللّحن وخيّل أني أغنّيها وأرقص على طريقة الهنود: دريجيني ديريجيكما ههه…

وفجأة وبفضل الظلّ نشطت بعض نوروناتي الدائخة وتركت التّصريف لتطرح بعض الأسئلة الحارقة (ما شعفتش ههه): ما الذي جعل العبارة تدخل الاستعمال أي إلى الفعل الكلامي التونسي؟ وهل هذا الاستعمال فردي أم شائع؟ ولم يشيع عند أنصاف المتعلّمين خاصّة؟ هؤلاء الذين يلفظهم التعليم كلّ سنة وعددهم بمئات الآلاف؟ وألا يدلّ هذا على أنّ تغلغل الفرنسية من خلال هذه العبارات المتحوّلة في الفئات الشعبية حقيقة قائمة؟ وألا يعني هذا أن ليس هناك موقف حقيقي شعبي من فرنسا وأنّ لائحة الاعتذار كانت في غير سياقها إذ لم تكن مطلبا شعبيا وراءه كتلة تاريخية قويّة تفرض خياراتها الوطنية في لحظة قويّة؟

كان بعضي يمزّق بعضي ههه وتذكّرت دي سوسير وتودوروف وفوكو واشتعل رأسي ثانية. طبعا لم أغفل عن أني أنا نفسي استعمل عبارات مثل نورونات وتيليكوم. وتخيّلت لو أني قلت له: اذهب بي إلى اتّصالات تونس يا فتى. لأجابني: دلّيني على الطريق يا سيدتي. ههه …في غرقي في زوبعتي الفكريّة بفضل نوروناتي المتيقّظة لم أنتبة إلى أنّ التلكوم فاتت جنبنا أنا وهو أنا وهو ههه وضحكتلنا أنا وهو أنا وهو ههه…

واضطررنا بسبب "ديريجيني" والزوبعة التي أثارتها فيّ إلى تغيير الاتّجاه والعودة إلى الوراء.
وأنا في التلكوم تيقّظت نوروناتي مرّة أخرى بسبب الهواء البارد من أجهزة التكييف الذّي أطفأ الحريق، ووجّهتني إلى السؤال المصيري:

من الأقدر على أن يديريجينا اليوم؟ دون أن يجعل أشياء كثيرة تفوت جنبنا؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات