محمّد (صلى الله عليه وسلم)

Photo

محمّد نبيّنا الأكرم في يوم مولدك.. أذكرك .. أمتلئ بك وأقول: أحبّك يا محمّد يا رسول اللّه..

أقولها وأنا أعلم أنّ " القبائل " و " الطّوائف " التّي تشظّت يمينا ويسارا ويسار اليسار ويمين اليمين ويسار اليمين ويمين اليسار تقف حاملة أسلحتها متمترسة بالإيديولوجيا المغلقة وبالأصنام الفكريّة الحديثة لتطلق رصاص الكلمات..

سيقول " يساريّ " لم يغادر كهوف السّبعينات ومضايق الأنساق ومهوس بعدائه لأعدائه التّاريخيين: الإسلاميين، ولم تبق في ذاكرته من قراءته لماركس وللماديّة الجدليّة وصراع الطّبقات سوى أنّ " الدّين أفيون الشّعوب "، سيقول هازئا: خوانجيّة رجعيّة ومتخلّفة "..

وسيقول " سلفيّ " مغرق في " اغترابه الزّماني " يدّعي امتلاك الحقيقة ولا يرى في القرآن سوى الآية الكريمة:

" وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ "ّ

سيقول: سافرة.. كافرة.. أنت.. وتدّعين حبّ محمّد؟

وستقول " حداثيّة " مغرقة في نسويّتها وفي " اغترابها المكاني " ومشبعة بالفكر الاستشراقي المنتج في جانب منه لكراهية الإسلام والمسلمين.. حداثيّة أكثر من الحداثيين وملكة أكثر من الملوك ترى تحرّرها و " حداثتها " في معاداة الدّين والتّسويق لفكر مغترب استنبت في أرض أخرى ويأبى استنباتا هنا، ستقول هازئة: " محمّد المزواج كان منتهكا لحقوق النّساء.. لقد تزوّج تسعا.. أيّ مازوشيّة لديك تجعلك تحبّين محمّدا؟ " ..

خوانجيّة رجعيّة سافرة كافرة مازوشيّة؟؟

هو بعض من رصاص الكلمات الطّائش.. هو التّنابز.. نقيض الارتواء بجماليّة الاختلاف.. " ولا تنابزوا بالألقاب "..

هي خلاصة محنتنا.. محنتي الذّاتيّة التي أقاومها بالسّفر وراء المعرفة طلبا لقطرة منها تروي الظّمأ وبالرّحلة اليوميّة وراء الفكرة وبإيماني ب " اقرأ " أولى الكلمات التي أوحي بها إليك.. أقرأ لأعرف.. أقرأ لأنّي أجهل وأقرأ لأقلّل من جهلي قليلا وأقرأ لأنّي لا أدّعي شيئا سوى أنّي أتلمّس الطّريق وسط العتمة..

وهي أيضا محنتنا الجماعيّة..

محنتنا بعدك يا محمّد يا رسولنا الأكرم أنّنا ضيّعنا المعنى وتفرّقنا مللا ونحلا وكلّ يدّعي امتلاك الحقيقة.. منذ البدء تفرّقنا: أهل السنّة والجماعة، الفرقة النّاجية والطّائفة المنصورة والسّلف الصّالح، الأشعريّة والمرجئة والصّوفيّة..الشّيعة الإماميّة الإثناعشريّة والشّيعة الزّيديّة والأصوليّة والاسماعيليّة و..

ولازال نتفرّق ونتفتّت ونتشظّى ونتآكل ونتناحر ونتقاتل ويستقوي بعضنا على بعض ويستعدي بعضنا بعضا وكلّ يدّعي امتلاك مفاتيح الجنّة ولا أحد امتلك مفاتيح العقل المستعيد للمعنى الواعد الذّي بشّرت به.

المعنى أنّك جئت لتنقذ الإنسان.. لتحرّره.. لتتمّم مكارم الأخلاق.. جئت رحمة للعالمين.. جئت لتوحّد القلوب عبر التّعارف: يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ". ومن تصدّعات الواقع القبلي المجزّأ والمفكّك أسّست دولة متماسكة تشدّها روابط روحانيّة وقيميّة قبل أن تشدّها روابط المال والاقتصاد.. هي عبقريّة محمّد..

المعنى تاه اليوم بين أقدام القبائل والطّوائف والفرق والملل والتّنظيمات الحديثة والقوى التّي روّجت للتديّن القاتل ودفعت الانسان إلى الموت طقس عبور " للحياة الحقّ" ..

غفلوا عن المعنى الذّي بشّرت به فطفقوا يبحثون في الموت وما وراءه عن المعنى..
غفلوا عن المعنى فضاعت هويّة الإنسان وتحوّل الدّين إلى فعل " جهاديّ " قاتل، " استعادة هويّة " قاتلة في عالم توحّش حتّى آخر احتمالات التوحّش.

لذلك نتمسّك بك ونذكرك كلّ مولد.. لأنّك لحظة الثّورة المؤسّسة قبل أن ندخل زمن التّيه والفوضى.

في يوم مولدك أعيد نشر ما كتبته عنك يوما:

محمّد بن عبدالله.. ذلك الرّاعي الذّي غيّر العالم.. يكفيه أنّه قال: " النّساء شقائق الرّجال ما أكرمهنّ إلّا كريم وما أهانهنّ إلّا لئيم "، وقوله " رفقا بالقوارير "، وأيضا قوله: " وهل تنصرون وترزقون إلّا بضعفائكم.. "، وقوله: " ابغوني في ضعفائكم فإنّما تنصرون وترزقون بضعفائكم "، وقوله: " أذلّ النّاس من أهان النّاس "، وقوله: " ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به " يكفيه هذا ليجعل من رسالته في جوهرها دعوة إلى العدالة والكرامة.. بعيدا عن كلّ التّفسيرات والتّأويلات والتّطبيقات التّاريخيّة.. وبعيدا عن المتخيّل الذّي شوّه في جانب منه هذه الثّورة التّي حدثت منذ أكثر من 14 قرنا.. محمّد بن عبداللّه من أوّل الثّوريين في العالم الذّي انتصر للضّعفاء وقاوم الجشع الإنسانيّ ولهذا نحبّه..وسيظلّ يسكننا.. عظيما وشامخا.. وسنظلّ نقرأ في ديننا وتراثنا هذه القيم التّي تنتصر للإنسان.. لا غيرها..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات