عن الإنسان هنا

لا يتمّ الاعتراف هنا بالإنسان كواقعة إنسانيّة قابلة للضّعف واليأس والخطأ والرّغبة في الرّحيل وللارتهان إلى ما يحوّلها إلى ذات مغتربة عن نفسها. ألاحظ الأمر وأنا أقرأ الدّعوات إلى المقاومة مثلا، حيث تتمّ عمليّة إبعاد آليّ قاس لكلّ من " سوّلت له نفسه الأمّارة بالسّوء " بالوقوع في مخالب اليأس أو التفكير في المغادرة أو الصّمت زمنا.

وبدل انتشال الإنسان من عدميّته سعيا إلى استعادته واستعادة وعيه يتمّ تسليط الأحكام في تغييب لأهمّ بعد إنسانيّ في الإنسان وهو ضعفه الإنسانيّ وحيرته وتحلّله تحت وطأة نسق لاإنسانيّ وغير رحيم.

هكذا لا يعي الموقف المقاوم مشكلة الإنسان هنا ولا ينتبه إلى ورطته وأفول رغبته في أن يكون كما يريد، فيتحوّل إلى سلطة جديدة تطالبه دوما بقوّة موهومة.

ولا شكّ أنّ تعليق أحد أساتذتنا الأجلّاء على ما كتبته الأستاذة رجاء بن سلامة منذ قليل عن رغبتها في دخول الكهف والاستيقاظ حتّى يزول هذا الكابوس هو ما أثار فيّ هذه الأفكار، وذكّرني أنّي دخلت الكهف زمنا، بعد أن أصابني تعب مخيف، واستيقظت قبل أن يتغيّر العالم، لأنّ العالم لا يتغيّر متى نريد. إنّها إنسانيتنا أو مأزقنا الإنسانيّ حين نطلب من المرء أن يكون كائنا خارقا فلا يتعب أو يحزن أو يبكي. لقد بكى نيتشه فيلسوف القوّة حين هزمته وطأة الحياة، ولم يشف بالنّصائح أو الاتّهام، بل بالبوح والاعتراف، ذلك الفعل الجميل الذي ينبش في أعماق الذات بحثا عن الضّوء.

في النّهاية، ما يعنيني هنا، في هذه الضفّة أو تلك، هو بلغة فيورباخ: عدم وجود الإنسان، وأيّ فكر مقاوم لا يوجد الإنسان، ولا يفهم تناقضاته وأخطاءه وتقصيره، هو فكر لن ينجح في توكيد الإنسان ودفعة إلى الاستجابة لنداء المستقبل.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات