جوهر وزهران

كان يمكن لجوهر أن يكون زهران ممداني تونس، بفضل ديمقراطيّة شكليّة ليبيراليّة ( مستوردة ومتأمركة ومتعبرنة كما يروَّج لها رغم مشاركة الجميع فيها ) ديمقراطيّة حاربها أعداؤها كخطر داهم وعابها أصدقاؤها وخذلها المستفيدون منها.

كان يمكن لهذه الدّيمقراطيّة الشّكليّة هنا أن تحقّق أهدافا شبيهة بوصول زهران ممداني اليوم ببرنامجه البسيط الذي يخترق سطوة النيوليبيراليّة وبنيتها الطبقيّة ونواياها الجشعة وتحالفها مع الصّهيونيّة وقهرها للشّعوب.

كان يمكن للدّيمقراطيّة الشّكليّة هنا أن تؤصَّل فتأخذ بعدا اجتماعيّا تحرّريا لو اتّحدت الأجسام السياسيّة الصّغيرة حول هدف عميق هو مقاومة هيمنة العائلات والقوى الماليّة المسيطرة من أجل خلخلة البنية الاقتصاديّة المغلقة وتحقيق عدالة اجتماعيّة حقيقيّة. لكنّ الأجسام السياسيّة انشغلت برشق السّكاكين في أجساد بعضها البعض في ضربات متتالية دون توقّف إلى حدّ التّهاوي.

كان يمكن لجوهر أن يكون زهران ممداني تونس لو وقع احترام التّجربة الدّيمقراطيّة الصّغيرة ورعايتها من أجل أن تزهر شخصيّات سياسيّة بقوّة زهران وعناده. لكنّ جوهر الآن يعاند في سجنه الموت كبطل تراجيديّ اغريقيّ بعد أن سُلب حريّته ووجوده. ذلك ما قرّرته الغرف المظلمة التي قرّرت قبل ذلك أن تقبر الدّيمقراطيّة الشّكليّة المنكّل بها، بعد أن حوّلتها في مخيّلة الشّعب المغلوب على أمره إلى كابوس حقيقيّ.

كان يمكن..

لذلك كلّ ما يحدث في العالم يذكّرنا بإخفاقاتنا، بمعاركنا الخاسرة، بسطحيّة رؤانا، بهشاشة وعينا، بقابليّتنا للتّلاعب، بكلّ هذا الإرث الاستبداديّ الممتدّ والمترسّب في الأعماق، والذي كان بالإمكان التحرّر منه تدريجيّا بفضل ديمقراطيّة شكليّة ملعونة!

الآن يزهر زهران القادم من سراديب الهجرة والفقر والتّهميش، ويذبل جوهر ومن معه من المعتقلين الذين حملوا أفكار الحريّة والعدالة والكرامة.

ونذبل نحن معه…

في انتظار أن تزهر الحريّة يوما ما، على هذه الأرض.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات