"إسقاط المنظومة"...او "اسقاط النظام"؟..او أفيون اليسار؟

Photo

هناك من يرفع بعد الثورة شعار "إسقاط النظام "...أو "إسقاط المنظومة"... هاذان الشعاران لا يختلفان جوهريا... سوى في النطق...وهما...أجوفان...وثورجيان…

فلما رفعناها قبل الثورة كنا نقصد بذلك نظام الحكم الفردي المستبد غير الجمهوري ... الذي يتحكم في كل أجهزة الدولة...ولا يوجد فيه تفريق بين السلطات ولا هيئات دستورية مستقلة... ولا يوجد فيه سوى سلطات معينة من طرف الحاكم الفردي... ومهازل انتخابية لا يتوفر فيها الحد الأدنى من حرية الترشح وحرية الانتخاب...و معارضة ديكورية موالية للحاكم الفردي ومختارة وممولة من طرفه... في ظل نظام استبدادي يمنع ممارسة الحريات...كل الحريات...ويمارس التعذيب على نطاق واسع كسياسة حكم ضد المعارضين وكذلك ضد المتهمين بحرائم حق عام... وينظم محاكمات الرأي والمحاكمات السياسية بالآلاف... ويمنع حرية التعبير وحرية الصحافة والنشر وحرية التنظم وحرية الاجتماع والتظاهر... ومن لا يمتثل لهذا المنع تنظم له المحاكمات الجائرة... الخ.... الخ...

اما بعد مرور عقد َ عن الثورة...فقد تحققت للشعب التونسي مكاسب عديدة وكبيرة...ومؤسسات جديدة منتخبة...ضمنها دستور ديمقراطي جديد...اسس لنظام جديد...مازال الصراع قائما بين الديمقراطيين الذين يناضلون من أجل تفعيله وتطبيقه.. وبين من يحنون للاستبداد من شعبويين وفاشستيين الذين يعملون على عرقلة تفعيله... وحتى من يعمل لتغييره لإعادة إرساء الحكم الفردي...وهو لم يطبق كاملا بعد... ومن ضمنهم من عرقل مواصلة تطبيقه!!!!

أصحاب هاذين الشعارين الأجوفين...على اي نظام أو منظومة يتكلمون؟ ان كان "النظام" او "المنظومة" في العام...فهو كلام هولامي...وشعبوي... أما إن كان يقصد "بالنظام" "منظومة الحكم" بدون توضيح...فهو أيضا كلام هولامي... وشعبوي أيضا!!!

لأن الحكم اليوم في تونس بمقتضى الدستور الديمقراطي الجديد موزع على مؤسسات منتخبة مختلفة... بيد كل منها جزء منه... لمنع رجوع الحكم الفردي: رئاسة دولة...حكومة...مجلس نواب...سلطة قضائية...هيئات دستورية و هيئات تعديلية...مجالس بلدية...وهياكل لم تنتخب بعد مثل المحكمة الدستورية والمجالس الجهوية...إضافة للهيئات الدستورية...التي يرفض الذين يريدون توظيفها انتخابها مستقلة!!!

وحتى جهاز الجيش الوطني وجهاز الأمن الوطني...تابعين للنظام او منظومة الحكم!!! فعن أي نظام أو منظومة يتحدثون؟ ولماذا التخفي وراء العبارات الهولامية ؟ ولإعانتهم عن توضيح موقفهم... فان كان أصحاب هاذين الشعارين... يقصدون به السلطة التنفيذية برأسيها، أو السلطتين التنفيذية والتشريعية، فعليهم ان يسموا الأسماء بمسمياتها...ويطالبون مثلا بحجب الثقة عن الحكومة من طرف المجلس الذي يراقبها... أو بانتخابات سابقة لأوانها للرئاسة أو لمجلس النواب...أو الإثنين معا... والقول أن ذلك يكون بانتخابات سابقة لأوانها…

لأن الوضوح واجب في التكتيكات السياسية عندما يتعلق الأمر بالسلطة... حتى يفهم الشعب ماذا يريدون...ويقبل أو يرفض ذلك لأنه صاحب السيادة والكلمة الأخيرة... أما الشعارات الهولامية... فهي تذهب مع الرياح... إن لم تكن محل تهكم وتنبير!!!

هي في هذه الحالة شعارات ثورجية شعبوية...لأن عبارتي إسقاط "النظام" أو "المنظومة"...ان قصد به السلطات المذكورة...فيجب وللتأكيد مرة أخرى الوضوح... وان يطالبوا بانتخابات سابقة لأوانها...او انتظار الانتخابات المقبلة والدخول في حملة انتخابية وقول ذلك للجماهير.. لإسقاطها سلميا بواسطة السيادة الشعبية...وبالتداول السلمي على السلطة...وما أدراك من السيادة الشعبية...فهي تعلو ولا يعلى عليها من أي كان... ومهما كان !!!

او ان يقولو للناس انهم...هم...من سيتولون إشعال ثورة شعبية على النظام أو المنظومة وقيادتها...بما يعني بالتبعية انهم سيوقفون العمل بالدستور!!...بعد النضال طيلة عقود من أجل فرض دستور مثله... لأنهم عجزوا على أن يكونوا في الحكم بواسطته!!!!!

ولما يقولون للشعب أنهم قادرون على ذلك...ولهم القوة المادية لذلك...وأن الشعب سيكون ورائهم...فهو شعار ثورجي.. ولا يخفى على الجميع أن هذا من قبيل أضغاث الأحلام...نظرا لميزان القوى السائد آنيا... فعلاوة على أنهم لو حاولوا سيجدون أنفسهم أمام كل منظومة الحكم...بأجهزتها المختلفة المنبثقة عن الدستور...والمذكورة أعلاه...وبما أن السياسة دائما بنتائجها ويحددها دائما ميزان القوى المادي والميداني...ولا الخرافة...أو الهرطقة بالجملة الثورية...فسيجدون أنفسهم كمن يدخل في حرب عاريا ضد جيش مسلح…

أما إذا كانو يأملون في ثورة شعبية أخرى... ويأملون في أنهم من سيقودها بالالتحام الميداني معها... فبأي جيش سيفعلون ذلك أمام القوى الشعبوية والفاشستية المتفوقة عليهم ميدانيا ولوجستيا؟ وكذلك وهذا مهم جدا جدا...و"بوصلي" بالنسبة لمن ينتمي لليسار …

فهؤلاء لا يحترمون المكاسب التي تحققت بعد الثورة بفضل عقود من النضال ضد الاستبداد...وتضحيات جسام...ومئات الشهداء والجرحى...بل يحتقرونها... فلولاها لما كانو قادرين اليوم على ممارسة حقوقهم وحرياتهم العامة كما يفعلونه يوميا...ولما كانو قادرين على تكوين الأحزاب والجمعيات والمشاركة في الانتخابات...وتنظيم الاجتماعات في القاعات...والمظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات في الطريق العام...وإصدار النشريات والولوج للأنترانت بدون صنصرة ومنع....الخ ...والقائمة لا تزال طويلة...للدفاع عن آراءهم وحقوقهم....وبدائلهم إن وجدت...

هؤلاء الذين ينتمون لليسار...ليسوا فقط يقومون بإسقاطات ثورجية من نوع اسقاط النظام او منظومة الحكم ...بل هم ايضا يحتقرون المكاسب التي فرضتها النضالات والتضحيات... والحال أنهم يستغلونها يوميا…

والأهم من ذلك... فلا يهمهم النضال من أجل المراكمة عليها لإحداث النقلة النوعية...وهي من أبجديات تكتيكات البناء الديمقراطي والاجتماعي في مراحل الانتقال الديمقراطي...وهي عقلية معاول هدم باسم الثورجية... التي لا تحترم المكاسب التي ضحت من أجلها أجيال من المناضلين…

ملخر…هؤلاء هم أفيون اليسار….والحليف الموضوعي بدون أن يدرون او عن سابقية فهم وإصرار …للرجعية الزاحفة بسبب تشتت اليسار…. أو خصوصا بسبب انعزالية من نصبو انفسهم قيادات لليسار… وبعد كل فشل انتخابي يهربون للأمام بادعاء النقاوة الثورية…برفع الشعارات الثورجية. ..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات