الهزائم في معارك المفاهيم...أخطر من الهزائم في المعارك السياسية…

Photo

فمثلا... هل بنيت إثر الاستقلال "الدولة الوطنية الحديثة"... كما يدعي الحدثوت؟ قطعا لا... بنيت دولة حديثة... ولا دولة وطنية حديثة... صحيح وضعت أسس الدولة الحديثة بتعميم التعليم وتشييد الوحدات الصحية والضمان الإجتماعي وتأميم الأراضي والشركات العقارية العمومية للسكن...ومجلة الأحوال الشخصية... وإنشاء وحدات الصناعات الثقيلة والقطاع العمومي... الخ...في بداية الاستقلال...

ولكن حصل تحول في بداية السبعينات مع الهادي نويرة بعد إقصاء المرحوم أحمد بن صالح وسجنه...ودخلت البلاد في منعرج يتدحرج من سيئ إلى أسوأ... وكان ذلك أساسا للتشغيل الهش ومن أجل العملة الصعبة.... فأسس هكذا لمنوال تنمية يخضع للقرارات الإقتصادية والسياسية الخارجية.. مما تسبب في ازمات مثل تلك التي حصلت في 1978... وفي 1984..

ومع بن علي وقع التفريط في جزء كبير من القطاع العمومي...وتطور الإقتصاد الموازي والاقتصاد الريعي والتوريد العشوائي... فقضي بسببه على جزء كبير من الصناعات المحلية التي نشأت...وبدأت تغرق البلاد في المديونية المتفاقمة واللامتناهية..

وحتى الحداثة أصبحت مهددة منذ بداية السبعينات بتنامي تيار إسلامي أصولي...شجعت الدولة الحديثة تفشيه لدى الشباب...مع محمد الصياح في الحزب الحاكم.. ثم مع محمد مزالي في الحكومة بتغيير المناهج التعليمية وفي المساجد وبالجمعيات الدينية... وذلك لمحاربة الفكر اليساري الجديد المتنامي الذي بدأ يتوسع في أواسط الستينات لدى الشباب المتعلم...والذي كان من بين مطالبه رفض التبعية الاقتصادية والمالية... ومن إجل إرساء الدولة الوطنية الحديثة…

ثم تعمق ذلك التوجه اللاعقلاني...مع بن علي حامي حمى الدين.. الذي نظم الدراسة بالنقل وحارب العقل فيها.. فأنتج التصحر الثقافي وبيئة حاضنة لتنامي الفكر الداعشي... مما جعل من الدفاع عن النمط المجتمعي الحداثي ضرورة في بعض المحطات... ولكن هذا لا ينتج منوال تنمية وطني ... ولا دولة وطنية حديثة…

وقد بين حكم النداء ذلك سنة 2014 وما بعده.. بما لا يدع مجالا للجدال في هذا الموضوع...وهو من بين ما جعل مثلا اتحاد الشغل يرفع شعار... السيادة.. وهذا ما يتستر عليه الحدثوت ومنظريهم الجهابذة ...وهم لا يزالون يتحدثون بدعاية خشبية ممجوجة... عن الدولة الوطنية الحديثة التي أسسها بورقيبة!!

وبعد الثورة تواصل السقوط في المنحدر... مع كل حكومة أكثر من سابقاتها... حتى أتت أزمة الكورونا لتجعل الناس يفكرون في مساوئ العولمة الليبرالية المتوحشة...وما جنته على البشرية وعلى تونس... وفي منوال تنمية جديد في ظل اقتصاد عالمي متعدد الأقطاب…

فهل ان هذا النقاش سيسفر على إرساء الدولة الوطنية الحديثة... صاحبة السيادة على مصيرها؟ معظم المؤشرات حاليا.. تدل على العكس... أمام تشتت اليسار وتناقضاته الطفولية وتخلفه السياسي والتنظيمي...وضعف التيارات الإجتماعية الديمقراطية..

الغريب أن الكل يعرف هذا... لأنه في التداول العمومي والصراع السياسي منذ عقود. ولكنك أصبحت تسمع يساريين... أكثر فأكثر... يتكلمون عن ضرورة الدفاع عن "مكاسب الدولة الوطنية الحديثة"... وكأنها بنيت في يوم ما!!! وهذا مثال لهزيمة... من بين الهزائم الأخرى... في الصراع الفكري والسياسي ضد الفكر اليميني السائد.. وهي أخطر من الهزائم السياسية...لأنها ضياع للبوصلة... التي بدونها لن تكون هناك انتصارات سياسية..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات