مناشدة العباسي للرئاسة؟...من اجل ماذا؟

Photo

بدأت اقرأ واسمع من هنا وهناك أصوات تقول ان أحسن مرشح للرئاسة هو المناضل حسين العباسي...وإن ترشح فهي ستسانده...ولكن العباسي لم يتفاعل معها علنا ولا أدري شخصيا ما يجول بخلده…

المناضل حسين العباسي "قد المقام"...فهو مناضل نقابي وديمقراطي منذ عقود وصاحب مبادىء...ويقول كلمته عندما يعتبر أنه يجب ان تقال...منذ زمن الاستبداد... وأتذكر شخصيا أنه لما كانت الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ممنوعة من الإجتماع بفروعها زمن بن علي مكنها من الاجتماع بمقر الاتحاد بالقيروان لما كان كاتبا عاما له ولم يهتم بموقف بن علي....

كما أني عرفته شخصيا عن قريب بوصفي كنت مسؤولا في الرابطة في "هيئة بن عاشور"... ثم لما أصبح أمينا عاما للاتحاد... فقاد الحوار الوطني في فترة أزمة حكم كبيرة...بكامل المسؤولية والخبرة وطول النفس...ونالت المنظمات الوطنية جائزة نوبل بفضل حنكته في التفاوض وايجاد التوافقات بين من لا يتفقو...الخ…

ولكن...وبصفة موضوعية…

تونس اليوم تعيش أزمة مالية واقتصادية واجتماعية وسياسية وحتى رياضية... وذلك من جراء طبقة سياسية يمينية فاشلة في الحكم... وحتى في المعارضة الديمقراطية التقدمية التي فشلت رغم مرور ثمانية سنوات عن الثورة على أن تكون بديل جدي يثق فيه الشعب...لجهلها بكيفية التأقلم مع الواقع الديمقراطي الجديد وعجزها عن إيجاد السبل التي تكفل لها عن طريق انتخابات حرة وشفافة (ولو انها غير نزيهة) التداول السلمي على السلطة....

والتداول السلمي على السلطة يمر اليوم بالدستور الجديد عن طريق الانتخابات التشريعية...وليس عن طريق الانتخابات الرئاسية!!!!

فأساس السلطة اليوم موجودة في مجلس النواب...هو السلطة الأصلية في الدستور...ولم تعد في قصر قرطاج... بعد القضاء على الحكم الفردي الاستبدادي الذي جثم على رقاب واجساد التونسيين منذ الاستقلال... فالمجلس هو الذي يعطي الثقة للحكومة...وتنبثق عنه…

وهي التي لها كل الصلاحيات التنفيذية في مجال إختيار منوال التنمية... ومحاربة الفساد والإقتصاد الموازي الذين يعيثان في البلاد.. وفي المجال الاقتصادي والمالي والإجتماعي والثقافي...وفي التفاوض مع الخارج في المجال المالي والاقتصادي مثل ابرام الاتفاقيات كالاليكا والتفاوض على المديونية ومع صندوق النقد...الخ ..للدفاع عن السيادة الوطنية في هذا المجال...والأمن الإقتصادي والغذائي والثروات الوطنية...إلخ..

كما ان للحكومة اسبقية في مجال مشاريع القوانين...فهي التي تقررها لتطبيق الدستور وتفعيله…
وهي التي تختص بالتعيينات في الإدارة والقطاع العمومي وفي المسؤوليات السياسية الجهوية...الخ…
وكل ذلك تقوم به تحت مراقبة مجلس النواب...وليس الرئاسة!!!

فلماذا لا تزالون تنظرون إلا للرئاسية؟

فماذا ستغيرون بها من واقع الشعب والبلاد؟ ان كنتم حقا تريدون تغيير الواقع المعاش للشعب التونسي وتغيير منوال التنمية (او تطويره كما يقول البعض) والدفاع عن السيادة الوطنية؟

ألا تنظرون لوضعية السبسي اليوم؟…بعد أن قام رئيس الحكومة بممارسة صلاحياته الدستورية بأغلبية في المجلس… رغم أنف السبسي الذي اختاره للمنصب؟ هل تريدون أن تجعلوا من العباسي ان قبل الدخول لمعترك السياسة سبسي آخر بدون صلاحيات اجتماعية ومالية واقتصادية تغير واقع الشعب؟…وخصوصا وأنكم تناشدوه لهذا الترشح للرئاسية وأنتم لا تفكرون أساسا في الإنتخابات التشريعية؟

اما من يقول منكم ان المترشح للرئاسية يعطي دفعا للقوائم التشريعية التي يساندها…فهذا جهل بالإنتخابات التي تحصل في الأنظمة الديمقراطية…

فهذا يحصل فقط في الأنظمة الرئاسية وليس في الأنظمة البرلمانية كما هو الشأن في تونس… ففي الأنظمة الرئاسية يصوت المواطنون عادة في التشريعية للرئيس المنتخب ليعطوه أغلبية برلمانية تساعده على تطبيق برنامجه الذي انتخبوه من أجله…. اما في الأنظمة البرلمانية، فإن المواطنون يصوتون لقوائم الحزب أو التحالف الحزبي في التشريعية… ليكون له أغلبية في المجلس تمكن من تعيين الشخصية التي تقود الحزب او التحالف رئيسا للحكومة… ليمارس السلطة التنفيذية …وهذا ما يقوله بالضبط الدستور التونسي…

والمواطنون ليسو أغبياء حتى لا يفقهون هذا….فهكذا تسير الأمور في تونس منذ اول انتخابات بعد الثورة!! وحتى ان وجد من لم يفهم منهم هذا بعد… فعلى السياسيين انارتهم اين توجد مصلحتهم ومصلحة بلادهم…ولا مغالطتهم….فبئس السياسيين من هذا القبيل..

المشكل اليوم في تونس… أن الطبقة السياسية التي هي في الحكم وحتى تلك التي هي في المعارضة لم تستوعب بعد هذه البديهيات…او أنها لا تقدر قيمتها… لأنها تفرمتت على الحكم الرئاسي الفردي فاسطبتنه ولا تزال تحلل به رغم تغيير الدستور…

ولكن ليست كل الطبقة السياسية…لأن التجربة بينت ان النهضة هي الوحيدة التي فهمت الموضوع!!!
فهي ذهبت حتى إلى عدم تقديم مرشح للرئاسية في انتخابات 2014 وتركت منظوريها أحرارا في تصويتهم…لأنها فهمت اين توجد السلطة الحقيقية!!! ولم يفهم جهابذتنا!!! وحتى في هذه المرة فقد صرحت النهضة أنها "إما أنها ستقدم مرشحا من صلبها للرئاسية …او أنها ستساند مرشحا من خارجها"…

وأغلب الظن انها ستعيد الكرة بالضبط بعدم تقديم مرشح للرئاسية من صلبها…وأنها ستساند مرشح من خارجها بعد التوافق معه على تقاسم السلطة….كما تفاهمت على تقاسمها من قبل مع السبسي في باريس …لأن ليس لها مصلحة نفعية في تقديم مرشح منها للرئاسية…خاصة وانه لا امل جدي له في الفوز في الدور الثاني بسبب الفوت ايتيل…وخصوصا وأن قياداتها عاشو طيلة عقدين في بريطانيا وفرنسا…

وتعلمو من ممارسة الفرنسيين والبريطانيبن الفرق بين النظام الرئاسي والبرلماني …ويعرفون من أين تأكل الكتف في نظام برلماني!! ويعرفون وهم من ساهمو في صياغة الدستور ان الرئيس في تونس ان كان من صلبهم فإنه لن يمكنها من التمكين…على خلاف رئيس الحكومة!!!!

والشعب أذكى منهم جميعا…فهو يعرف أين توجد السلطة الحقيقية…هو الذي يحتج يوميا منذ الثورة لنيل حقوقه ضد الحكومات المتعاقبة وممثليها في الجهات…ولم يوجه يوما سهامه ضد قصر قرطاج…كما كان يحدث زمن الحكم الفردي…

وهذا يعني يا جهابذة السياسة…المفرمتين على الحكم الرئاسي الفردي…ان من يعمل على التداول السلمي على السلطة بالانتخابات في نظام برلماني.. عليه ان يعمل على ترشيح من يرى فيه القادر على رئاسة الحكومة لتطبيق البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. لان هذا هو المحدد لمن يريد التغيير…وليس لرئاسة الدولة…

يحصل هذا يوميا في كل الأنظمة البرلمانية…او شبهها في العالم ولكن جهابذة السياسة عندنا لا تزال رؤسهم منغرسة في تراب الحكم الفردي…الذي أصبح من … ماضي البلاد بعد الثورة…ولا في حاضرها ومستقبلها…

أقول هذا بهذه الطريقة الجافة، ورغم اني أعرف اني اقسو على هؤلاء المناشدين…لأن كيلي طفح…كثيرا..

فماذا انتم فاعلون الآن ؟

ان كان عليكم ان تشجعوا المناضل حسين العباسي على الدخول في معترك السياسة…فانه علينا (وانا مع هذا الرأي) ان نطلب منه قيادة قائمات تشريعية وحدوية…ذات أرضية ديمقراطية وإجتماعية وسيادية ….وان يعلن انه مترشح لرئاسة الحكومة…لتغيير الواقع المعاش للشعب…

ففي هذه الحالة فقط يمكن الصراع على السلطة…و هناك أمل ان تتكون كرة ثلج حول هذا الترشح…امام الجفاف السياسي وفقدان الأمل في التغيير…

هذا بعد ان قال الاتحاد أنه مهتم بالإنتخابات المقبلة رغم أنه لن يقدم قوائم تحت يافطته كما وضح أمينه العام… إضافة إلى الكثير من مناضلي المجتمع المدني الذين يناضلون من أجل الحقوق المدنية والسياسية والإجتماعية والاقتصادية…والذين كمواطنين لن يبقو يتفرجون في قوائم تشريعية يقودها العباسي…فهو منهم وهم منه…

وهذا أيضا بعد أن قررت شخصيات وطنية ديمقراطية لها مصداقية لدى الرأي العام…وهي تناضل من أجل الحقوق الاجتماعية والسيادة منذ عقود….قررت التحرك والعمل من أجل تقديم قائمات مواطنية للتشريعية…

إضافة إلى الأحزاب التي لها منحى ثوري و ديمقراطي واجتماعي وسيادي…والتي ستتقدم في قوائم حزبية أو في إطار تحالفات حزبية… وكلها يمكن ان تشكل تحالف اغلبي في المجلس بقيادة العباسي…بالكثير الكثير من الجهد الجماعي…وخصوصا بنكران الذات ونسيان الفئوية التي أضرت بالبلاد والعباد…منذ الثورة…

اخدموا على هذا يا أكارم ان شئتم …وان انتم تفكرون في مستقبل تونس وشعبها…ولا في مصالحكم الفئوية… وهذا ان ستطعتم إليه سبيلا…إن قبل العباسي الدخول للمعركة السياسية التي تقترحونها عليه…لتغيير الواقع كما تقولون…

هو لن يفعل ذلك…ان كانت له النية…إلا بعد ان يتحقق أولا من صدق نواياكم…وهو يفهمها جيدا…. فهو كما فهمته لن يسقط في فخ من يريدون استعماله كدون كيشوت…لتحقيق فتاتهم ومصالحهم الصغيرة…في ظل تأبيد حكم اليمين الفاسد العميل…

عل هذا يكون حلا لإنقاذ البلاد وشعبها…ولو حتى نسبيا…ولا كما تتصوره الرغبات شبه الماورائية التي يدمغج البعض بها من فوق ناطحات سحابهم ….والتي لن تتحقق في القريب العاجل.. وهم أول من يعرف هذا!!!

اخدموا عليه المشروع إن شئتم….للتشريعية….ولا للرئاسية …فهو من شأنه ان يشكل حبل نجاة لتونس وشعبها… اخدموا عليه …وذلك لا للتموقع وراء العباسي من أجل فتات…في خريطة سياسية يبقى يتحكم فيها اليمين الفاسد الحاكم الذاهب بالبلاد وشعبها إلى الخراب وإلى أسفل السافلين….كل يوم أكثر فأكثر …

فقد جعلو من تونس بلاد الفقر والخصاصة والإفلاس….وحتى بلاد لتبييض الفساد وأموال الإرهاب…كما يفضحهم الاتحاد الأوروبي كل سنة…وفعلها أخيرا مرة أخرى…

واتركو الأنوات المتورمة تترشح للرئاسية…فهي لن تغني ولن تسمن الشعب التونسي من جوعه…بل هي تريد أن تغني بطونها…

وكفوا عن الهرطقة السياسوية…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات