في حرية البث الإذاعي والتلفزي...أو الحق الذي يراد به باطل…

Photo

حرية البث الإذاعي والتلفزي هي مبدئيا الأصل....

وهي أداة لممارسة حرية الرأي والتعبير والتواصل... لكل مواطن في علاقة بغيره من مواطني بلده... ولكنها لما تكون على نطاق واسع فهي تصنع الرأي العام... وتأثر بالتالي في الإنتخابات... وتكون أداة مهمة في تكوين واختيار التوجه الذي تذهب فيه السيادة الشعبية...لاختيار ممثلي الشعب... أو للضغط عليهم بين الانتخابات…

وهذا من بين الأسباب الذي أعطى للإعلام السمعي والبصري سلطة كبيرة... لقبت بالسلطة الرابعة ولو أنها غير موجودة بوصفها ذلك في الدساتير...إلي جانب السلطات الثلاث... التشريعية والتنفيذية والقضائية... ولكن لممارسة هذه السلطة الرابعة... يتوجب توفر المال الكثير...الذي لا ينقطع... ويسدد دوريا...لتغطية المصاريف الباهضة والمتتالية...

وهذا لا يتوفر للمواطن "العادي"...وبالتالي فهو ينتج عنه بالضرورة خرق لمبدإ المساواة بين المواطنين في التمتع به في دولة المواطنة...والحق يجب أن يتوفر للجميع حتى لا يصبح من عوامل التمييز بينهم... وبالطبع يمكن للدولة ان توفر المال عن طريق الضرائب... فيكون هناك قطاع إعلامي عمومي...يجب أن يقوم على مبدأ المساواة بين المواطنين والاطراف السياسية والاجتماعية والثقافية... الخ... بدون إقصاء وتمييز بينهم…

ويمكن ان يوفره أيضا أصحاب الأموال الوفيرة... فيكون هناك الإعلام الخاص...ولكن ممارسته من المنطلق... يكون فيها خرق لمبدإ المساواة بين المواطنين في ممارسة الحق في البث وممارسة مهنة الإعلام ...لانه يكرس التمييز بينهم على أساس الثروة الشخصية...التي لا تتوفر إلا لدى أقلية قليلة في المجتمع..

هذا زيادة على أن من يضع أمواله في مشروع إعلامي من الخواص... ينتظر مصلحة ربحية...فتكون إما تجارية... او سياسية... تلك التي تدر منافعا غير مباشرة عن طريق التنفذ في السلطة السياسية...بممارسة السلطة الرابعة... وهذا ما حدث في تونس مثلا منذ الثورة بواسطة قناة نسمة أو الزيتونة أو إذاعة القرأن الكريم... الخ..

وفي المجتمعات الديمقراطية الليبرالية الأوروبية ...سمح للقطاع الخاص بالدخول في الميدان الإعلامي... بعد نقاش مجتمعي طويل دام عقودا...تمحور حول مبدا حرية البث للجميع من جهة أولى... ووجوب احترام مبدا المساواة بين المواطنين في ممارسة هذا الحق الذي لن يتوفر بالضرورة…

ولأن الحق في تلقي الإعلام المحايد والنزيه... هو من حقوق الإنسان الأساسية... ويجب على الدولة أن تضمنه... على غرار بقية الحريات العامة... مثل الحق الانتخابي وحق التنظيم وحق الاجتماع وحق التظاهر... الخ...وضعت شروطا تنظم حرية البث... لضمان الحق في الإعلام ... لان الحق في الإعلام هو الأساس...

ولتجاوز التناقض بين المبدأين...مع ضمان الحق في الإعلام.. اهتدت السلطات السياسية في فرنسا مثلا... إلى توجه توفيقي في الثمانينات من القرن الماضي...بعثت بمقتضاه هيئة تعديلية مستقلة... ووضع كراس شروط... يجب أن يلتزم باحترامها الإعلام الخاص وإلا تسلط عليه عقوبات زجرية متنوعة حسب خطورة التجاوزات... ليحترم إجمالا تلك الشروط التي يخضع لها الإعلام العمومي... وذلك تحت مراقبة الهيئة التعديلية وسلطتها..

وهي التي تسهر على إعطاء حق البث لما تتوفر الشروط وعلى متابعة تنفيذ الشروط...ومن بينها نظافة الأموال المستثمرة في المشروع... واحترام أخلاقيات المهنة.. والالتزام بالقوانين... والعدل بين الأطراف السياسية والمجتمعية... الخ... وللهيئة الحق في اتخاذ التدابير الرادعة لفرض احترام مقتضيات كراس الشروط..

وفي تونس بعد الثورة أرسى المرسوم 116 هيئة تعديلية وكراس شروط في نفس الاتجاه التوافقي بين حرية البث… والمساواة في ممارسة الحق…لضمان الحق في الإعلام…وكان ذلك إلى جانب النصوص المرجعية الأولية لضمان الانتقال الديمقراطي من دولة الاستبداد.. فسن المرسوم 115 المتعلق بالصحافة والنشر… وبقية الحقوق السياسية… بالمراسيم المتعلقة بالحق الانتخابي وأرسيت هيئة الانتخابات المستقلة والقانون الانتخابي… ومرسوم الجمعيات… ومرسوم الأحزاب…وذلك كله قبل انتخاب المجلس التأسيسي…

ولكن هيهات…

هذكا يكون في مجتمع شفاف…وفيه احترام للقوانين… وما فيهش فساد… وناس تحترم القوانين… ودولة لا ينخرها الفساد… وما فيهاش متنفذين في السلطة يلهثون وراء المنافع والمصالح بخرق القوانين وممارسة الفساد… في تونس الفساد الذي أكل البلاد.. أكل الفساد أيضا الإعلام الخاص وتصحر به… بتواطئ مشين.. ومفضوح… من الحكومات المتعاقبة!! التي لم تنفذ قرارات الهيئة التعديلية…

ووجدت الهيئة التعديلية نفسها مرارا في وضع لا يحسد عليه… وحتى شنت ضدها الحملات الإعلامية السياسية الوقحة والخسيسة من طرف ذلك الإعلام الفاسد… بكوارتو.. فهل تتذكرون مثلا ذلك "الإعلامي" النهضاوي الوقح الذي مزق نسخة من قرار الهيئة التعديلية في حصته على المباشر؟ ولم يطاله ما يجب أن يطاله وقناته التي حاشاكم بالت على مكسب من مكاسب الثورة… بتواطئ من الحكومة آنذاك؟

والمصيبة الجديدة.. فها ان النهضة وقلب تونس لا يكتفون بخرق المرسوم 116 منذ سنين بواسطة الزيتونة ونسمة… بدون رادع… وإنما يكلفون كتلة الكرامة المستقلة جدا عن النهضة (عصاها قال لاخر).. بتقديم مشروع تنقيح للمرسوم 116.. يلغي رخصة البث حسب كراس الشروط التي هي من صلاحيات هيئة الإعلام السمعي البصري.. و"يصادقون" في اللجنة البرلمانية على تمريره للجلسة العامة!!! ههههههه…

كلمة حق… يراد بها باطل… بكامل الوقاحة التي تعودنا عليها عند المافيات الإعلامية… وإن مر التنقيح… ستجدون بالضرور إعلاما سمعيا بصريا… يتدحرج رويدا رويدا إلى إعلام كما هو في الصورة المصاحبة…

وللتدليل أكثر…

شفتوا الفايسبوك وين ما ثماش رخصة؟ شفتو الذبان الفايسبوكي الي يخلص بالبترودولار؟ شفتو الصفحات السبونسوريزي بالعملة الصعبة إلي كذبت على الناخبين…وغلطتهم…وأثرت في الإنتخابات في تونس؟ شفتو داعش والقاعدة كيفاش استعملو وسائل التواصل باش يجندو الارهابببن لمناطق التوتر…ويعملو عمليات إرهابية في بلدانهم؟

هاذيكا مشطرة من الإعلام الي يحبوه…الجماعة إلى صوتو على مشروعهم إلي قدموه باسم الكرامة… في إطار تحالفهم السياسي بعد الانتخابات…

وبالطبع لو مر المشروع… سيزيد بالضرورة في ترذيل الحياة السياسية…بالمال الفاسد غير المراقب… في دولة ينخرها الفساد… من كل حدب وصوب… ومن الداخل والخارج…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات