ذكرى 3 جانفي 1984... ووحدة اليسار المهدورة..

Photo

بمناسبة ذكرى انتفاضة الخبز سنة 1984 بسبب الترفيع في ثمنه بطلب من صندوق النقد الدولي، وسقوط العشرات من الشهداء العزل بالرصاص الحي من طرف حكومة بورقيبة… تكاثر التعالي بالمطالبة بوحدة اليسار لمجابهة المصائب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحالية والقادمة…

ولكن هذه المطالبة الذي يفرضها الواقع ويطالب بها جمهور المناضلين اليساريين … أصبحت شعارا أجوف ودغمائي لدى الكثير.. يخفى في طياته مخاتلة وتلاعب بالكلام… وضبابية في الكثير من الأحيان مقصودة… وكما يقال، فالشيطان يكمن في التفاصيل…

فهناك من يدعو للوحدة تحت قيادته… وبقيادة تنظيمه… الذي يعتبره العمود الفقري لهذه الوحدة الذي تتوحد حوله بقية أطراف الجسم … وهدفه توسيع قاعدته المهترئة…وبالنسبة له ففي خلاف ذلك… لا وحدة…

وهناك من يدعو لها على أساس أيديولوجي… بتوحيد عائلته الأيديولوجية المشتتة أولا.. لتكون الايديولوجيا السكتارية التي يحملها هي العمود الفقري لوحدة اليسار… وبقية الأيديولوجيات تابعة لها… وهذه النظرة هي الأكثر سكتارية ولو لم يقصد أصحابها ذلك… لأنها تعيد طرح المعوقات وأسباب التشتت التي تكونت على أساسها الحلقات اليسارية المتسكترة والمتناحرة بين الشباب منذ مدة نصف قرن خلت… واستنادا على دعاية أنظمة يسارية متنافسة ومتناحرة.. انقرضت بعد أن فشلت… أو تفسخت فغيرت دعايتها… ولم يتغير من لا يزالون يتمسكون بتلك الدعاية لحد الأن..وهي مهمة مستحيلة بينتها تجربة عقود من الزمن..

وهناك من يدعو لها في شكل جبهة أخرى… ستكون لا محالة فوقية وفاشلة كسابقاتها… لأنها ستتحكم فيها بدون منازع قيادات التنظيمات الموجودة التي تشرف على تكوينها … لتتقاسم المنافع بينها وبين تنطيماتها.. على أساس التوافق في توزيع المصالح…ولذلك هي تفشل وتندثر كسابقاتها عند الإختلاف على توزيع المصالح والتمثيلية…

وهذا النوع من الجبهات بينت التجربة انه يفشل سياسيا لا محالة في علاقة بالجماهير العريضة… لأنها تشكل مواقفها السياسية التكتيكية بالتوافق بين مواقف مكوناتها المختلفة أو المتناقصة…فتكون مواقفها دعائية لكنها مبهمة أو فضفاضة… ولا تتأسس على تكتيكات سياسية واضحة للجماهير العريضة تتفاعل معها… والمتخذة ديمقراطيا من طرف جميع المناضلين والمنخرطين.. والذين يلتزمون بها جميعا…

وهناك من يدعو لها في شكل قاعدي صرف… بدون أفق جدية ملموسة… بعد فشل تجربته المركزية التي خاضها…وبدون التخلي عن عقلية العمود الفقري والتنظيم المركزي البيروقراطي َ…معتقدا أنه بالإمكان توحيد اليسار بتلك الطريقة…

وهناك مبادرات في شكل مواطني… ولكنها سياسية في الأساس…تقودها عقلية "الإستقلالوية" عن الأحزاب… هذه العقلية التي تنخر المجتمع السياسي التونسي وتختص بها تونس بسبب التخوف من التنظم الحزبي غير القانوني زمن الاستبداد الذي يؤدي للتعذيب والسجن وبسبب فشل الطبقة السياسية بعد الثورة في تحقيق أهدافها… وبينت الإستقلالوية فشلها منذ الثورة إما في اكتساح مجلس الشعب…وحتى البعض الذي نجح في الإنتخاب بفضل الفواضل لم يكن له تأثير فيه يذكر لتغيير واقع المواطنين الذين انتخبوه…

كما أنها تتجاهل أن الديمقراطية ترتكز على أحزاب ديمقراطية تتنافس في الانتخابات من أجل السلطة لتطبيق برامجها…وبالتالي فهي لن تغير الواقع في شيء..

الخ….

وحدة اليسار ممكنة…وهي السهل الممتنع… الذي يفرضه الواقع السياسي والموضوعي منذ غداة الثورة…

ولكن العنصر الذاتي هو العائق… منذ عقود…وخاصة بعد الثورة.. لما توفرت الحرية السياسية… فرفض أصحاب عقلية العمود الفقري تكوين حزب سياسي بالمعنى السياسي… وإنما شتتوا اليسار أمام اليمين… بتكوين العديد من الأحزاب الايديولوجية المتنافسة والمتناكفة مع بعضها البعض…فتركو اليمين يصول وبجول في الحكم… وهذا النزيف وهدر الطاقات في لا شيئ لا يزال متواصل رغم مرور عشرة سنوات عن الثورة… ورغم الفشل الذريع في ستة انتخابات متتالية… بدون أن يستفيقوا من لا وعيهم…

وهي إن حصلت لن تكون إلا وحدة سياسية وتنظيمية… بعيدا عن أية ايديولوجيا سكتارية…وبالاستفادة من ايجابيات الروافد اليسارية المختلفة… وهي كثيرة… ومما يمكن أن يقدمه لها مختلف المناضلين القادمون من تجارب سياسية مختلفة… والذين يتعاطفون معها او يناصروها… ومن أولائك الذين بقوا خارج التنظم الحزبي قبل الثورة أو بعدها…

وهي وحدة على أساس أرضية سياسية…فالسياسي هو المحدد للوحدة والممارسة … ولتنفيذ برنامج حكم يبعث الأمل لدى عموم الشعب في تغيير وضعه الإجتماعي وذلك بالفوز بالإنتخابات…

ولن تكون إلا في إطار تنظيم ديمقراطي يخضع لانتخاب المسؤولين فيه من القاعدة للقمة… وحلقته الأساسية التي يرتكز عليها هي الخلية الترابية في الأحياء والقرى… مع تشريك الشباب والنساء بقوة في هياكله…

ويتطلب ذلك توحيد المبادرات بدون إقصاء إلا من أقصى نفسه… لتوحيد البوصلة حول الأرضية السياسية التي تجيب على الواقع الحالي.. وتوحيد البوصلة حول الاستحقاقات التنظيمية الديمقراطية التي توحد الجميع … والتخلي عن عقلية "مني تڨرع"… وهي من بقايا عقلية العمود الفقري…

وحتى حد ما فوق راسو ريشة…ففي التنظيمات الديمقراطية يتساوى جميع المناضلات والمناضلين في الحقوق والواجبات…

بدون ذلك ستبقى التنظيمات ذات التكوينة البورجوازية الصغيرة… تتقاذف بالثورية والثورجية ضد بعضها البعض… بعيدا عن الجماهير… وتتناكف مع بعضها البعض… عاجزة على تغيير الواقع… والفقر المتواصل والتهميش يتزايد… والفساد الذي ينخر مختلف أحزاب الحكم اليمينية يغتصب البلاد ومؤسساتها…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات