قصة رائعة.. قبل لقاء قيس سعيد مع محمد الناصر..

Photo

أسرار كثيرة سبقت يوم التسلّم والتسليم، سبقت يوم لقاء قيس بمحمد الناصر، أسرار يعرفها الكثير ويجحدها القليل وتتجاهلها قلّة أخرى.. لقد انفصلت قاطرة الشّعَب عن عربات الشُّعَب، أصبحت الهوّة عميقة والمسافة التي تفصل بين ناس سبعطاش ديسمبر وناس 7 نوفمبر شاسعة، مرّة أخرى تنجح تونس ومرّة أخرى يفشل النبّارة، هي إذا عربة وأنتم البرويطة، هي إذا ثورة عربيّة وأنتم الردّة العبريّة،

ما أتعس هؤلاء الذين يحملون جنسيّة الوطن ثم لا يحتفلون مع الوطن، كل الوطن يحتفل ليس بتنصيب قيس أو زيد أو عمر، بل بالتسلّم والتسليم، آه لو تدري فئران المخابر كم مات من أجل ثقافة التسلّم والتسليم، وكم سكب هذا الشعب من نضالات وكم من أجيال رحلت بحسرتها لم تر مجرد الضوء في آخر النفق.

ها نحن نمارس احتفال الكبار، ونطلب من سقط المتاع الوطني أن ينهض ويلتحق، ثم نصرّ على بعض الاحتفالات الطفولية أن ترتقي بعد أن أسرتها اللحظة القيسيّة الناصريّة! لحظة 23 أكتوبر 2019، ليس تسليم الناصر إلى قيس غير لبنة، غير ومضة من ومضات سبعطاش ديسمبر، ليس إلا حالة مراكمة على الأصل، أو ربما محاولة لتثمين المنجز وتدعيمه، كل الذين التحقوا بعد ملحمة السنوات التسع ثم اعتقدوا أنّنا الآن بدأنا هم أقرب الى الطفل الذي يفرح بقطعة حلوى بين يديه لا يرى غيرها، بينما يجلس على حقل من الحلويات الفاخرة، لقد انطلقنا من هناك!!..

حين انطلق عود الثقاب وبدأ العد التنازلي وانهمر الدم.. إلى لحظة الليلة الكبيرة، الليلة الطويلة، لحظة الفرار التاريخي.. ثم هي مداولات الشارع الكاسحة واعتصامات القصبة العنيدة، هو التمرّد الوطني الشاهق، وحده من أجبر الدولة على احترام دستورها، وحده من نسف أول عمليّة تلاعب، حين نصّبت دولة الرئيس الفار وزيرها الأول!

في إشارة إلى أن تونس تمر بحالة فراغ وقتي، حينها أطلق الشارع راجماته وأبلغ قوى المراودة المتحصّنة بالقصر أنّه في ذروة الانتباه، وأنّها حالة فراغ دائمة سرمدية إلى أن تحل الإرادة الشعبيّة محل الإرادات الآفلة بلا رجعة، هناك بدأت الملحمة، حين سلّم الغنوشي وتسلّم المبزع تحت هدير الشارع، ثم سلّم المبزع وتسلّم المرزوقي تحت قرار مجلس الشارع، وسلّم السبسي وتسلّم المرزوقي تحت رغبة الصناديق، ثم سلّم السبسي وتسلّم الناصر تحت إرادة القدر، ثم هــا يسلّم الناصر ويتسلّم قيس تحت إرادة الشارع المصندقة..

كل هذه المشاهد المبهرة الزاخرة بالحسّ الوطني، كل ذلك التسلّم والتسليم كل تلك التقاليد والبروتوكولات.. تحيّة الضيوف، تحيّة المجلس الموقّر، تحيّة الجيوش الثلاثة، كل تلك المراسيم الجميلة النبيلة، ليست إلا ومضة من ومضات الشارع الديسمبري الجانفي.. كلها وكل الذين جاؤوا وكل من سيأتي، كلهم مدينون لذلك الشتاء الساخن، شتاء 2010-2011، كل نبض هذا الوطن الحرّ إنّما هو من نبض أولئك الذين ينامون بسلام في مقابر ديسمبر وجانفي... تحيّة الى مقابر بوزيان وبوزيد وتالة.. تحيّة كبيرة إلى مقابر القصّرين وأخص بالذكر مقبرة أولاد عزيزة...

أيّها المحمد البوعزيزي..أيّها الشهداء الأبرار، أيّها الشهيد.. ونحن نقطف ثمرتك الموسميّة التي زرعتها بيدك ذات ديسمبر يخالطه جانفي، في هذا اليوم يعجزني القول وتغصّ الكلمات بمواكب الفرح ثم تغوص في شوق كثير! فأقول ما قالت حميدة..


هل ترانا نلتقي أم أنها ** كانت اللقيا على أرض السرابِ
ثم ولت وتلاشى ظلها ** واستحالت ذكريات للعذاب
هكذا يسأل قلبي كلما ** طالت الأيام من بعد الغياب
فإذا طيفك يرنو باسماً ** وكأني في استماع للجواب
أولم نمضي على الدرب معاً ** كي يعود الخير للأرض اليباب
فمضينا في طريق شائك ** نتخلى فيه عن كل الرغاب
ودفنا الشوق في أعماقنا ** و مضينا في رضاء و احتساب
قد تواعدنا على السير معاً ** ثم أجلت مجيباً للذهاب
غير أني سوف أمضي مثلما ** كنت تلقاني في وجه الصعاب
سوف يمضي الرأس مرفوعاً ** فلا يرتضي ضعفاً بقول أو جواب
سوف تحدوني دماءٌ عابقا ** قد أنارت كل فجٍ للذهاب

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات