ظاهرة "الكرونيكورات" في الإذاعات والتلفزات.. أو كيف يصبح للغباء الحق الحصري في الهيمنة...؟؟؟

زمن الصحافة المكتوبة، كانت كتابة العمود الصحفي امتيازا صحفيا مهنيّا يختصّ به كبار الكتّاب أو نخبة من الصحفيين بعد خبرة عقود، أي عموما بعد تجربة طويلة من الكتابة الأكاديمية والفكرية المميّزة جدا.

في الصحافة العربية كلها كان كتّاب الأعمدة يُعَدّون على الأصابع. فكانت بعض الجرائد والمجلات تباع وينتظر القرّاء موعد صدورها بلهفة فقط لأن هشام جعيط أو عابد الجابري أو ايميل حبيبى أو أنور عبد الملك أو الطيب صالح.. أصحاب عمود قارّ فيها.

وكانت كتابة عمود في الشأن السياسي من المهام الدقيقة والخطيرة في كل الصحف والجرائد. لأن السياسة هي "مجمع تاريخ ومعرفة وتفكير". أما متابعة يوميات السياسة بتقارير خبرية فكانت تُسند لصحفيين متخصصين عموما لا يتجاوزون حدود التقرير إلى التنظير.

اليوم.. وفي تونس تحديدا، تعجّ التلفزات والإذاعات بما يعادل كتّاب الأعمدة الصحفية قديما ممّن يُدعون "كرونيكارات". كلهم (حتى الحاصلون منهم على شهائد جامعية) يخوضون في كل شؤون الفكر بفركة وعود حطب.

هؤلاء صاروا اليوم "نجوم الكلام" بثرثرة تمسح كل مواضيع الدنيا. يجرؤون على إعطاء رأي حاسم وصارم ونهائي في كل ما يجدّ من أحداث تعجز مراكز متخصصة أحيانا في فهمها.

المصيبة أنهم، رغم ضحالتهم وتفاهتهم، صاروا الآن محتكري شبكة تدوير المعاني المشتركة. ببساطة لأنهم يتحركون في محيط من الأمية الواسعة. مجتمعنا بكل فئاته، بما فيها التي تسمّى نخبة، أمي عموما. علاقته بالمعارف الفلسفية والإنسانيات الحديثة تقريبا صفر (وأقول الفلسفة والإنسانيات لأن المعرفة التقنية وحدها لا تنتج أصحاب أفكار).

المحصلة أننا نصبح ونمسي على أصوات ماكينة غباء قاتلة للتفكير والخيال ولمستقبل العقل عندنا.

* الاستثناء يؤكد القاعدة فعلا للأسف، لذلك أستثني زياد كريشان الذي أقرأ له منذ الثمانينات، والذي صار اليوم الصحفي/الكرونيكور العميق والمفيد. ثم طارق الكحلاوي.

ومن الصحفيين/المنشطين أستثني برهان بسيس الذي يمتلك أناقة السؤال الذكي.

وتبا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات