محاولة/فرضيات في تشخيص هوية سعيّد السياسية وحقيقة حدث 25:

لنعترف جميعا أن تركيب قطع البازل السياسي الفوضوي الذي يتفاعل أمامنا منذ ثلاث سنوات خاصة مهمة دوّخت الجميع، وهي مهمة عسيرة فعلا لأن برمجة التحولات الاستراتيجية تتم من قبل مراكز قوة معولمة متخصصة تفوق قدراتها إمكانياتنا كأفراد وكمجتمعات تفتقر لمراكز بحثية أكاديمية مستقرة قادرة على استشراف استراتيجيات القوى الدولية.

مع ذلك لا مفر من المحاولة. أولا لأن المعطيات تراكمت بما يمكّن من بناء فرضيات تحليل متماسكة. وثانيا لأن حركة التاريخ قد تفاجئ حتى أصحاب الاستراتيجيات الكبرى. اللامتوقّع صار معطى ثابتا في التحليل التاريخي.

صرت أميل إلى الفرضية التالية :

قيس سعيّد ينتمي في مرجعيته الفكرية إلى تيار "الهوية العروبية الإسلامية". هو فكريا إسلامي بمعان كثيرة. يعني يستطيع التنافذ بيسر مع مرجعية حركة النهضة المقاصدية والمحافظة في نفس الوقت، ومع مرجعية حزب التحرير الذي يتبنى الإسلام كنظام تفكير وتشريع متمايز عن الفكر الغربي. ومع مرجعية التشيع الفكري الإيراني الذي يقدم نفسه منذ الخميني بديلا عن حضارة الغرب المادي.

وهو عروبي بعثي بالمعنى العفلقي يؤمن بأمة عربية ذات رسالة خالدة في التاريخ تستمدها من حضارتها التي شكلها الإسلام. هو يسبح فكريا ونفسيا في هذه الدائرة.

سياسيا الأمر معقد. لا أستبعد أن يكون سعيّد منتميا تنظيميّا إلى أحد هذه التيارات، أو أنه مرّ بأكثر من تنظيم، وهو أمر ممكن وأعرف في الواقع من مر بهذه التجارب.

والمعلوم للجميع أن هذه التنظيمات كلها جرّبت اختراق كل أجهزة الدولة بدرجات متفاوتة. وربما نجح أحدها في استعمال سعيد كبروفيل شعبوي مثالي يمكنه تحشيد الغوغاء للوصول إلى الحكم. طبعا هذا لا ينفي مطلقا أن الأجهزة السياسية الغربية تراقب وتخترق وتتقاطع وتوظّف جزئيا أو كليا هذه التنظيمات.

التوظيف قد يكون مزدوجا، أي من أكثر من طرف. وهو أيضا مزدوج بمعنى أنه داخلي وخارجي.

من هنا نستطيع أن نتحدث عن "تنازع ملكية" لمشروع سعيّد. حشد إيران (صلاح داودي أهم رموزه) يعتبر سعيّد مشروعه هو. يسار راديكالي (لينين والشربطي.. وجزء من الوطد الموحد وعبيد البريكي ) يعتبر سعيّد ملكه. قوميّو حركة الشعب والتيار الشعبي يتصرفون كما لو أن سعيد عضو في حركاتهم. حزب التحرير أيضا (لم أقرأ له موقفا رسميا، ولكنني أرجّح هذا) .. بل أن جزءا من النهضة أيضا يتبنى فكرة المراهنة على سعيد ( لا يتردد سامي الطريقي في تأكيد اشتراك حركته مع نوفل سعيد في الانتماء إلى الإسلام السياسي).

من هنا تولّد الغموض في شخص سعيّد وفي هوية حدث 25.

الأمر الثابت أن الاستراتيجيات الدولية لا يزعجها مطلقا توظيف عقائديين صداميين مثل سعيد لإنتاج مناخ مناسب لترتيبات استراتيجية جديدة يقتضيها وضع دولي مفتوح على تحولات حقيقية.

أكتفي... ( فرضيات تحتاج تنضيجا تضيق عنه المساحة.. والصحة).

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات